ولكن ما قلتَه لي كان سبباً كافياً لأن يشفيني الله (١).
ولا يُنكِر أحدٌ أثرَ الإيحاء النفسي في بعض الأمراض، لا سيما الجلدية منها. وقد قدّمت القول بأن الثآليل (ونسمّيها في الشام «التواليل»، وهي التي تظهر في الجلد فلا تؤلم ولا تنزف ولكنها تشوّهه) يحتالون عليها بحيل نفسية فيشفي الله منها. من ذلك أنهم يضعون حبّة عدس أو شعير فوقها ويقرؤون شيئاً ويُلقون هذه الحبة في بئر ويُفهِمون المريض أنها إذا تحلّلت وفنيت في الماء برئ مما يقاسيه، وأشياء من هذا القبيل لا أثر لها في الحقيقة في المرض ولكنها فيما يبدو نوع من الإيحاء.
* * *
كان الأستاذ مصباح بك رحمه الله أيام العثمانيين مفتّشاً على القضاة، فأخبرني حَمي (على وزن أبي، أي والد زوجتي) الأستاذ صلاح الدين الخطيب رحمه الله ورحم كل من ذكرت، الذي كان يومئذ عضواً (أي مستشاراً) في محكمة النقض، خبّرني أن مصباح بك جاء يافا مرة يفتّش محكمتها وكان قاضيها الشيخ أبو النصر الخطيب (وهو عم مصباح وعم أمي)، فلما انتهى من تفتيش المحكمة أخذه القاضي معه إلى الدار، فرآهما رجل من أهل البلد فمشى معهما، والقاضي يظن أنه صديق المفتّش لذلك لم يسأله، والمفتش يحسب أنه صاحب القاضي لذلك لم يكلمه. حتى إذا وصلوا الدار ودخلوها وهمّوا بالقعود إلى مائدة الطعام
(١) انظر الحلقة ١١٩ من هذه الذكريات (دفاع عن الأطباء)، وفيها هذه القصة وتعليقات عليها وعلى أمثال لها (مجاهد).