بل أننا أنهينا فيها أعمال الحج وجئنا يرى كلٌّ إخوانه، يسأل عن أحوالهم في بلادهم وعما يشكون منه فيساعدهم، وعما يحتاجون إليه مما يقدر هو عليه فيقدّمه إليهم. أليس المؤمنون إخوة بقرار من ربّ الأرباب أنزله في الكتاب وهو باقٍ إلى يوم الحساب: إنما المؤمنونَ إخوةٌ؟ ألا يتعهّد المؤمن أخاه فيعرف أحواله؟
ولقد اجتمعت في حجّتي هذه التي أتكلم عنها بطائفة من الأفاضل ربما ركّزت ذهني يوماً وكتبت عنهم، كالشيخ ابن بليهد، وهو من أوسع مَن عرفت من المشايخ أفقاً وأكثرهم اطّلاعاً، فكانت لي معه جلسات استفدت منها واستمتعت بها.
وكنا لا نعرف عن السنغال إلاّ الجنود الذين ساقهم الفرنسيون لحربنا والإيقاع بنا، والذين طالما شكونا منهم ومن قوّتهم وقسوتهم. فلقيت في الفندق في المدينة أستاذاً سنغالياً متخرجاً في السربون، يحمل شهادة من كلية فرنسا (كوليج دي فرانس)، وهي أعلى معهد ثقافي في فرنسا. فعجبت منه وشكوت إليه ما كنا نلقى من هؤلاء الجنود، فأفهمَنا أنهم مسلمون، ولكن الفرنسيين أوهموهم أنهم يقاتلون في سوريا أمّة كافرة مشركة تحارب الإسلام!
فتبيّن لي أن هذا من نتائج فُرقتنا نحن المسلمين وأننا لا نتعارف وأننا لا نلتقي.
ولقد حججت بعدها مرات، ولكل حِجّة قصة، ثم لم أحجّ بعد ذلك.
بل أنا أدعو المقيمين هنا إلى أن يفعلوا مثلي وأن يدَعوا المكان لغيرهم، فأماكن الحجّ محدودة. أرأيتم لو أن مطعماً فيه