للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموسرين، وكان يحجّ سنة ويغزو سنة، ومن قرأ رسالتي عنه وجد له من البطولات في الحرب مثلَ ما يجد له من الطاعات في الحج.

نزل في إحدى حجّاته منزلاً مع إخوانه الذين كانوا يحجّون معه وعلى نفقته، لا يرزؤهم شيئاً من أموالهم، فطلب الطعام فجاؤوه بدجاجة وجدها ميتة، فألقاها على مزبلة قريبة من المكان الذي نزلوا فيه. فلما جُنّ الليل رأى شاباً يقوم إليها فيأخذها، وشعر به فاستدعاه فسأله، فتبيّن أن له أختاً وأنهما لا يجدان ما يأكلان، فهما يأخذان مثل هذه الدجاجة ليأكلاها لأن حاجتهما واضطرارَهما أحلّ لهما الميتة. لمّا رأى ذلك (وهذا هو الشاهد في القصة) دعا وكيلَه فقال له: استبقِ من نفقات حجنا هذا العام ما يكفي للرجوع إلى بلدنا، وكانت بلده في خراسان أي عند بلاد الأفغان، وأعطِ الباقي لهذا الشاب وأخته فإن ذلك أفضل من حجّنا.

ولو حج كلَّ سنة مَن في مكة جميعاً من أهلها ومن النازلين فيها لملؤوا المشاعر ولم يدَعوا مكاناً لغيرهم. وأنا أسألكم ياأيها القراء: كم نسبة مَن يجب الحج عليهم من المسلمين في المئة؟ لو قلتم بأن خمسة في المئة من المسلمين لم يحجوا ويجب عليهم الحج لكان مجموع ذلك خمسين مليوناً، لأن المسلمين نحو ألف مليون. فتصوروا: لو أن خمسين مليوناً نزلوا في لندن أو نيويورك أو في القاهرة أو في مثلها من المدن الكبار لضاقت عنهم وعجزت عن احتمالهم، فكيف بمكة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>