للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧ - فيمَ الهناء وعلامَ السرور؟ أيهنّئون بتلك الأرواح التي دفعناها ثمن الحرية، فكان للبائع الثمن والمبيع؟ أم بالنفوس الكبيرة التي أزهقها الأقوياء، أم بالمنازل التي خرّبوا، أم بالدور التي أحرقوا، أم بالحقّ الذي غصبوا، أم بالحرمات التي انتهكوا؟ أم بالأزمة العامة والتجارة الكاسدة، والصناعة العاطلة والزراعة البائرة، والأخلاق الضائعة والرجولة المفقودة، والحدود المستباحة والجهالة المنتشرة؟ أما أن أشدّ البلاء أن لا نشعر بالبلاء، وأكبر المصيبة أن نجهل أنها المصيبة. فما لهؤلاء الناس وماذا اعتراهم؟ أيفرحون بهذا كله؟ إني لا أفقه من هذا كله شيئاً.

٨ - عزفتُ عمّا فيه الناس ورحت إلى شرفتي كئيباً، وكان الظلام قد ملأ الكون كما ملأ نفسي، فغشيني ذهول عميق وانطلق لساني يقول: أيها الراحل المودَّع، لقد كانت لنا آمال صببناها على قدميك يوم خرجنا لاستقبالك، وكنا كلما انقضى من عمرك يوم ولم تتحقق ارتقبنا بها يوماً آخر. هذا أمر لا آخر له، فأخبرنا عن آمالنا: ماذا صنعت بها، أدُستَ عليها وحطمتها وقطعت طريقك على رفاتها؟

* * *

إلى آخر ما جاء في المقالة. وأنا إنما أنشرها على أنها صارت تاريخاً، فأسلوبها غير أسلوبي الآن وفيها ما أُنكِره إذا قرأته الآن. أدَع المقالة وأسأل نفسي: هل هذه السنة التي طلعت علينا هي سنتنا؟

أمّا عباداتنا الشهرية فتمشي أوقاتها مع مشي القمر: صيامنا وحجّنا. وأمّا دنيانا وعباداتنا اليومية فمع الشمس، فنحن نصيّف

<<  <  ج: ص:  >  >>