للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خطر لي أن أصنع مثله، فقد كنت آخذ أكبر مرتَّب يأخذه أستاذ جامعي في المملكة، لأنهم كانوا يقدّرون راتب الأستاذ المعاقِد في الجامعة بثلاثة أضعاف راتبه في بلده، وقد كنت في بلدي آخذ مثل راتب وكيل وزارة. ثم إنهم كانوا يعدلون يومئذ كل مئة ليرة سورية بمئة وثلاثين ريالاً (إن لم أكن قد أخطأت أو نسيت). خطر لي هذا، ولكن وجدت أني أكره الفنادق ولا أحس الاطمئنان فيها، وقد نزلت كبارها وصغارها وغاليها ورخيصها في شرقي الأرض وفي غربيّها، فكنت أنام فيها مشتَّت الذهن فاقد الأمن، كأني أنام على رصيف الشارع لا أدري مَن ينظر إليّ ولا مَن يدنو مني!

وقد طالما حاولت أن أتخلص من هذا الشعور الذي ما له سبب فما استطعت. لذلك كنت أستأجر داراً مفروشة، أغلق عليّ بابها لا يراني فيها أحد ولا أرى منها أحداً، آكل فيها ما أريد وأنام كيف أشاء، وإن كانت أغلى من الفندق، وإن كانت إقامتي في البلد شهراً واحداً.

كما أنني لا أجد الراحة في السكن الموقَّت أو المشترَك كما صنع جمهور الإخوان، فطلبت من الصديق الأستاذ سليمان الحافظ، المستشار القانوني في وزارة الدفاع، أن يجد لي داراً مفروشة، فوجدها في الحيّ العسكري في طريق المطار، أعني المطار الذي صار الآن قديماً. وهي ثلاث غرف متداخلة يُفضي بعضها إلى بعض، فيها فرش ليس بالفخم ولا الغالي وحولها حديقة واسعة مونقة، ولكنني شعرت لمّا دخلتها بضيق الصدر من أول دقيقة قضيتها فيها، ذلك لأن لها أسواراً عالية تجعلها أقرب

<<  <  ج: ص:  >  >>