ولا لأرثيه وإن كان أهلاً للرثاء، وحسبه أنه نال أقصى ما يطمع عالِم مسلم بنبله وهو الشهادة في سبيل الله، رحمه الله ورحم كل من فاضت روحه من المسلمين في هذه الفتنة العمياء التي عمّت لبنان، فلم تُبقِ ولم تَذَر. بل لأنني فوجئت حين رأيت في الندوة طالبات سافرات كاشفات يجلسن إلى جنب شباب كبار مجلس الإخوة مع الأخوات أو الأزواج مع الزوجات، يختلطن بمن حرّم الله عليهن الاختلاط بهم والتكشّف أمامهم.
ثم رجعت إلى نفسي فعجبت من عجبي، وسألتها: كيف صدمني هذا المشهد؟ كأنني لم أرَ مثله من قبل وكأنني لم أعلّم بنات بالغات كبيرات ولم أرَ من قبلُ اختلاطاً وتكشُّفاً، في الشام وفي مصر وفي بيروت وما زرت من مدن أوربا الغربية، وإن كنت قد دخلت أكثر من عشرين مدينة كبيرة فيها أرى منها ما يراه الماشي في الطريق، لم أدخل ملاهيها ولا مواطن الفجور فيها، فلم أرَ فيها كلها (أقول الحقّ) ولا فيما زرت من مدن آسيا: الهند وسنغافورة وأندونيسيا وطرفاً من سيام (التي صارت تُدعى الآن تايلاند)، لم أرَ فيها كلها ما كنت أراه في الطريق في بيروت: في الزيتونة ورأس بيروت وعلى طول الساحل الذي تستلقي عليه آلاف من البنات، ما يسترن من أجسادهن إلاّ ما يقبح مرآه وما عدا ذلك بادٍ مكشوفٌ يراه كل من يمرّ في الطريق حتى الحمار.
فكيف إذن فوجئت بما رأيت في هذه الندوة بعد كل هذا الذي رأيت من قبل؟ وفكّرت فعرفت السبب. لقد كنت كمَن يضمّه المجلس الحافل في الغرفة المغلقة التي تختلط فيها الأنفاس، من الفم والأنف ومن غيرهما من منافذ الجسم! ويطول المجلس