كانت مدارسنا في دمشق في تلك الأيام أصنافاً ثلاثة: مدارس حكومية كنا ندعوها المدارس الأميرية (١)، وهي قليلة ما كان عندنا منها إلاّ أربع ابتدائيات للبنين وقريب منها للبنات، وثانوية واحدة معها دار للمعلّمين، وثانوية للبنات معها دار للمعلّمات، ومدارس أوّلية قليلة نمرّ منها إلى الابتدائية.
كانت في دمشق -لمّا دخلت أنا المدرسةَ قُبَيل الحرب الأولى، حرب ١٩١٤ (أي نحو سنة ١٣٣٢هـ) - أربع ابتدائيات للبنين هي:«مدرسة الملك الظاهر»؛ ما سُمّيَت باسمه إحياء له أو تبرُّكاً به كما تُسمّى المدارس الآن، بل لأنها افتُتحت في مدرسته التي فيها قبره عالياً مزخرَفاً تحت قبّة رفيعة جميلة، تُعَدّ تحفة في الآثار ولكنها ليست إلاّ مخالفة وبدعة في الدين. وبابُها العظيم (بقوسه الشامخ جداً ومُقَرْنَصاته الرائعة) يقابل بابَ المدرسة العادلية الذي يماثله في روعته وفنه، ووراءه المجمع العلمي (الذي صار يُدعى الآن مجمع اللغة العربية، وهو أكبر المجامع سناً وأقدمها قِدَماً، أنشأه الأستاذ محمد كرد علي سنة ١٩١٩).
و «مدرسة المهاجرين». وحيّ «المهاجرين» أقامه ناظم باشا الوالي المصلح على سفح جبل قاسيون للمهاجرين من جزيرة كريت (إقريطش) لمّا سقطت بيد اليونان، وبنى لهم فيه بيوتاً
(١) الصنف الأول هو «المدارس الأميرية» الآتي ذكرها، ولم تكن كثيرة، والثاني «المدارس النصرانية» وهي قليلة أيضاً، والثالث «المدارس الأهلية»، وهي كثيرة تضم جلّ أبناء البلد كما سيأتي بعد بعض الاستطراد (مجاهد).