بالعلم والمنصب بالتقوى، والتزلفَ إلى الحكام بالقيام بواجب النصح للحكام؟
خبّرني عن العلماء: ألا يزالون أعزّة بالدين، يزهدون في الدنيا فتُقبِل عليهم الدنيا ويهربون من الولايات والمناصب فتلحقهم المناصب والولايات؟ ألا يزال الناس يعكفون في دمشق على العلم لا يريدون به إلاّ الله والدار الآخرة، يُثنون لذلك رُكَبهم ويُحيون فيه ليلهم ويَكِدّون نهارهم، ويقنعون في أيام الطلب بما يسدّ الرمق ويحمل الجسد ويستر العورة، لا يسألون عمّا غاب من ذلك أو حضر لأنهم فكّروا في غيره وأقبلوا على سواه، فكان العلم أملَهم وكانت المطالعة شغلهم وكان ثواب الله مبتغاهم؟ ألا يزال الناس سعداء راضين، قد انصرف العالِم لعلمه والتاجر لتجارته والطالب لدَرْسه والمرأة لبيتها، لا يشتغل أحد بغير شغله ولا يدخل فما لا يعنيه؟
فقلت للشيخ: منذ كم فارقتَ دمشق ياسيدي؟ فتنهّد وقال: منذ سنة ١٨٩٧، فارقتها شاباً ولم أدخلها بعد ذلك أبداً.
فرحمتُ الشيخ من أن أفجعه في أحلى ذكرياته وأن أطمس في نفسه أجمل صور حياته، فتلطّفت وودّعته ولم أقُل له شيئاً. وماذا ترونني كنت أقول؟
* * *
قولوا أنتم ياأيها القراء، فقد عجزت عن الجواب سنة ١٩٤٧، فبماذا تُجيبون سنة ١٩٨٧؟