للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستعدّ لِما هو آتٍ. وعلى ذلك أكثر الناس، وقليل منهم مَن يعمل في حاضره لمستقبله ويزرع في يومه ليحصد في غده، فمَن زرع قمحاً حصد قمحاً، ومن ترك أرضه للشوك لم يحصد إلاّ الشوك في أصابعه والدم يخرج منها.

المستقبل للشباب. ولَطالما قاسيت من هذا المستقبل لمّا كنت شاباً، كان يقول لي أبي: اعمل لمستقبلك، ويسألني معلّمي: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ فإذا أجبتُ جاء معلّم آخر غيره فأعاد عليّ السؤال، حتى تَكرّر عليّ خمسين مرة بدّلت فيها الغايات وعددتُ الطرق، وما كان شيء مما قدّرت. كنت والمستقبل كحصان ربطوا بظهره عصا طويلة ثم علّقوا فيها حزمة من الحشيش وقالوا له: اسعَ لتدركها! فمهما سعى فلن يصل إليها لأنها معه مربوطة به، تمشي إن مشى وتقف إن وقف. أطلب المستقبل في غد، فإذا جاء الغد صار المستقبل حاضراً وذهبتُ أفتّش عن مستقبل غيره.

كنت كراكب زورق في بحر هائج يوجّه زورقه الوجهة التي يراها، فتضربه موجة عاتية فتحوّله فتبدّل وجهته حيث تتجه الموجة لا حيث يريد الراكب. أحسستُ أني كصاعد الجبل، كلما بدت له صخرة حسبها الذروة فحاول الوصول إليها، حتى إذا بلغها بدت له ذروة أخرى من ورائها، فإذا بلغ أعلى الجبل فلم يبقَ أمامه ما يسمو إليه هبط من الجهة الأخرى. وأنا الآن قد بلغت الذروة التي استطعت الوصول إليها ولم يبقَ أمامي ما أسمو إليه، فرجعت أهبط من الوجه الآخر للجبل. عُدت من هذه الرحلة الشاقة، رحلة العمر، وما معي مما رأيت وما سمعت وما

<<  <  ج: ص:  >  >>