للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يسابق قلمه فكره، فازداد عجبه مني ووعدني بنشر المقالة غداة الغد".

خرجت من إدارة الجريدة "وأنا أتلمس جانبَيّ أنظر هل نبتت لي أجنحة أطير بها لفرط ما استخفّني من السرور، ولو أني بويعت بالإمارة أو أُعطيت البشارة ما فرحت أكثر من فرحي بهذا الوعد". وسرت كأني راكب حوّامة (ولم تكُن قد اختُرعت الحوّامات)، فأنا أمشي على الأرض ولكن لا تمسّ أقدامي الأرض، "وما أحسبني نمت تلك الليلة ساعة، ولو نمتها لحلمت فيها بما ينالني من المجد حين يُنشر المقال فيقرؤه الناس، فيدَعون أعمالهم ويتركون ما بأيديهم ليشيروا إليّ فيقولوا: هذا هو كاتب المقالة! وجعلت أترقّب الصباح ترقّب عاشق هيمان ينتظر وصلاً بعد طول هجران، حتى إذا انبثق الصباح نزلت فأخذت الجريدة، فإذا فيها المقالة وبين يديها كلمة ثناء لو قيلت للجاحظ لرآها كبيرة عليه".

رحمك الله يا أبا بسام ورحم تلك الأيام. لقد نشرت بعدها أكثر من ألفَي مقالة، فما عرفت مثل تلك الفرحة. إن الفرحات الأولى لا تُعاد، ترى الكعبة ألف مرّة فلا تحسّ أمامها مثل الذي أحسستَه في المرّة الأولى، وتقرأ القصّة مرات فلا تشعر بالمتعة التي شعرت بها عند القراءة الأولى.

وعدت إلى احتراف الصحافة سنة ١٩٣٠، وحديث هذه العودة في «العدد» القادم، إن أحياني الله إلى العدد القادم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>