وقال لي الأستاذ شكري بك وهو يضحك: لو أخذوا بنصيحته لخلصوا منكما، على بُعد ما بينكما: هو شيوعي، وأنت ولله الحمد مسلم.
قلت هذا، وأزيد عليه أني لا أعرف مَن كتب في الصحف بقلمه أو قال على المنابر بلسانه في الفرنسيين لمّا كانوا في الشام أكثر ممّا كتبت وقلت، وفي كتابي «هتاف المجد» قليل من كثير من كتاباتي ومما بقي من خطبي. فإذا ذكرت لهم اليوم مزيّة فليس ذكرها تزلّفاً إليهم ولا حباً بهم، فقد ذهبوا عنا فما عادوا يضرّوننا ولا ينفعوننا، وإن كان النافع وكان الضارّ هو الله. ولكن أذكرها عملاً بقوله تعالى:{ولا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ على ألاّ تَعدِلوا. اِعْدِلوا}.
هذه المزية التي جئت أذكرها لهم، والتي قدّمت لها هذه المقدمة، هي أن الصحافة على عهد الفرنسيين كانت حرّة لا يقيّدها إلاّ القانون. والقانون ليس قيداً، إنما القيد أن تتحكم الأهواء ومصالح الحُكّام، وإرادة أفراد يأمرون فيُطاعون ولا يُحاسَبون على ما يقولون وما يفعلون، فإذا نشرَت الصحيفة ما لا يريده الحكام (يومئذ) لم يملكوا إلاّ أن يُحيلُوها على القاضي، والقاضي لا يملك أن يحكم عليها إلاّ بالقانون، وحكم القاضي يُرفَع إلى محكمة أعلى. والقانون يستطيع أن يعدّله مجلس النوّاب أو يُبطِله. لذلك كنا نكتب فننتقد ونعترض ونقول ما نشاء.
على أني لا أريدها حرّية مطلَقة من كل قيد، فالحرّية المطلَقة لا تكون إلاّ للمجنون الذي يفعل كل ما يريد. وكل حرّية