للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعي غار النصر، وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل (١). قلمٌ إن شئت لانَ في يدي حتى ليخشن معه الحرير، وإن شئت صلب حتى يلين إلى جنبه الحديد. إن أردتُه هديّة نَبَتَ من شقّه الزهرُ وقَطَرَ منه العطرُ، وإن أردتُه رَزيّة حطّمتُ به الصخر وأحرقتُ الجمر؛ قلم كان عذباً عند قوم وعذاباً لقوم آخرين.

ثم أحالتني الحياة على التقاعد، فودّعت قلمي كما يودّع المحتضَر وغسلته من آثار المداد كما يُغسّل من مات، ثم لففته بمثل الكفن وجعلت له من أعماق الخزانة قبراً كالذي يُدفَن فيه الأموات. حتى جاءني من سنة واحدة أخ عزيز، هو في السن صغير مثل ولدي ولكنه في الفضل كبير، فما زال بي يفتلني في الذّروة والغارب (كما كان يقول الأولون)، يحاصرني باللفظ الحلو والحُجّة المقنعة والإلحاح المقبول، يريدني على أن أعود إلى الميت فأنفض عنه تراب الموت وأمزّق من حوله الكفن، وأنا أحاول أن أتخلص وأن أتملص، حتى عجزت فوافقت على أن أكتب عنده ذكرياتي.

بدأتها وأنا لا آمل أن أتمّ عشر حلقات ولا أتصور الأسلوب الذي أتبعه في كتابتها، فاعتمدت على الله، وأرخيت زمام القلم ليمشي وحده، فوفّق الله، وتمّت أربعون حلقة وأنا لا أزال في سنة ١٩٣١.

فيا زهير (٢) أشكرك؛ فلولاك ما كتبت، وأشكر «المسلمون»،


(١) الفشل في اللغة الضعف والكسل.
(٢) أعني الأستاذ زهير الأيوبي الذي كان له الفضل الكبير في تدوين هذه الذكريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>