معه من عرض أمرها عليه، فوقَفْت نشرَها وأنزلت غيرَها مكانها. فلما صدرت الجريدة خالية منها سبقني هذا المحرّر إليه فأوغر صدره عليّ، فاستدعاني وتلقّاني بخطبة طنّانة تطقطق فيها قافاته المعروفة (كقافات الدكتور محجوب ثابت في مصر) وتزدحم كلماتها في جملها حتى ما أجد فسحة أبدأ كلامي منها.
وكنت امرءاً فيه حدّة، وكنت أوقّر الرجل، ولكن لمّا زاد نسيت التوقير ونفضت يدي من الجريدة ولم يبقَ أمامي إلا كرامتي التي توهّمت أنها مُسّت، فصرخت فيه وأسكتّه وأسمعتُه كلاماً جعله يفتح عينيه دهشة، وكان ممّا قلت له: أهذه أخلاق من كان مفتّش المحاكم، تقضي ولا تسمع دفاعاً، تحكم للمُبطل على المُحِقّ؟
فهدأ وقال: وما الأمر؟ قلت له: إن الرجل خدعك وسخّر جريدتك للدعوة لعقيدة أنت تحاربها ... وشرحت له ما وقع. فما كان منه إلا أن نهض واقفاً ومدّ يده إليّ وقال لي: أعتذر إليك. أمّا ذلك المحرر فنال منه ما يستحقّه.
إن أكُن أطلت الحديث عن عارف النكدي فلأنه أحد مَن أثّر فيّ وأفادني وعلّمني دروساً كثيرة، في الرجولة وفي الخضوع للحقّ وفي إباء الدنيّة وفي الصدق والإخلاص.