للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تحسبوا هذا سهلاً، فأنا أكتب هذا الكلام ونصف الغرفة من حولي تغطيه هذه الأعواد، تشتغل فيها المرأة يوماً أو يومين.

والزيتون: تذهبون الآن إلى السمّان (١) فتجدونه في علب مختومة معَدّاً للأكل، لا تحتاج إلا إلى مدّ يدك إليها فتفتحها ثم تقلب ما فيها في الطبق. ولكنا لم نكُن نعرف هذه العلب الواردة من اليونان أو من بلاد الإسبان، بل نقطفه من أشجاره في الشام ولبنان. وجوانبُ البحر المتوسط متشابهة كلها في طبيعتها وأشجارها وثمارها، وكثيرة التشابه في صفات أهلها. وعندنا في حرستا (وقد صارت اليوم كأنها حيّ من أحياء دمشق) أشجار زيتون يبلغ عمر إحداها مئة سنة أو مئتين. وللزيتون أنواع، في البيت الشامي العادي نوعان منها أو ثلاثة وقد يكون فيه السبعة والعشرة، من الأخضر الذي يُقطَف مُرّاً فيُحلّى بمحلول الكلس، يديره الأولاد بالأعواد ثم يبدلون عنه الماء ثم يعودون إلى إدارته وتحريكه حتى تذهب مرارته، والأخضر الصغير تشقَّق جوانبه برأس السكين ويعالج بالماء والملح أو بالخلّ، لست أدري والله، فما أحسنت في عمري عمل الدار وإن كنت لا أكفّ ما استطعت عن المشاركة فيه، ونوع أسود يؤكل جافاً، وأسود كبير أو فاتح اللون كثير الشحم يدعى الجُلُطّ. ولكلٍّ طعم، وكلٌّ يأخذ من جهد المرأة ومن وقتها.

و «المَكدوس» (وقد أشرت إليه من قبل) يُصنَع بالباذنجان وبالليمون الشامي الكبير وبغيرهما، يُغلى في الماء ثم يُحشى


(١) هذا هو اسم البقّال في الشام (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>