بدولة هَرِمة وجيش هزيل أن يحجز دول أوربا عن بلاده، وكان يضرب بدهائه بعضها ببعض. كان «رجلاً» يلعب بالرجال، فلما جاء «صبيان» الاتحاديين وأمسكوا هم الزمام لعبت بهم الرجال وأشباه الرجال.
واسمها جمعية الترقي، وهي التي سبّبت لنا التدنّي: فبعد أن كانت الدولة على عهد السلاطين العظام أقوى دول الأرض صارت بهم دويلات لا وزن لها في الأرض، يحكمها حكّام من غير أبنائها بقوانينهم لا بشريعتها. ذلك لمّا خاضت -بحماقتها وجهلها وخبث سرائرها وقبح نياتها- حرباً لا ناقة لها فيها ولا جمل ولا شاة، فانتهت بها وبنا جميعاً إلى الضياع.
* * *
وبدأت دمشق تعيش كأنها في بهجة العرس، وقد كانت قبل شهر واحد في كربة كأنها كَمْدة المأتم. وحل الوجدان محل الحرمان، فالخبز مبسوط أمام الشارين من كل نوع وفي كل مكان، كما كان. وكَثُر السكّر والبنّ والرزّ و (الكاز)، وكل ما كان مفقوداً صار موجوداً.
والأعلام الجديدة ترفرف على الدكاكين وعلى أبواب المنازل، والأناشيد التركية ذات الألحان القوية العبقرية بُدّلت أناشيد عربية صيغت كلماتها على عجل، ورُكّب اللحن التركي القديم على النشيد العربي الجديد. وكان الناس في الشام (كما كانوا في أكثر بلاد الشرق) لا يهتمّ جمهورهم بسياسة ولا رياسة، همّهم أداء فرضهم وحفظ عيالهم وتسلية أنفسهم بما لم يحرّمه