يكون الخوف منه في سواد الليل، لذلك كان سلوك هذا الوادي أشقّ عليّ من الضلال فوق الجبال!
ووصلت «التل» وقد بقي دون الفجر أقل من ساعتين، وكانت سيارات البلد الكبيرة رابضة تنتظر طلوع النهار وتوافُد الركاب، وكانت أجرة السيارة إن هي امتلأت مقاعدُها كلها ثلاثَ ليرات، فقلت: خذوا ثلاث ليرات وأوصلوني إلى دمشق، فما قبلوا.
فماذا أصنع؟ مشيت الليل كله وأنا جائع خائف وثيابي كلها تقطر ماء، والليلة باردة، وقد أنفقت آخر ذرة من طاقتي. فاضطُررت أن أسأل عن دار معلّم المدرسة، ووجدت بعض المبكّرين فدلّوني عليها، فقرعت عليه الباب فقال: مَن؟ قلت: عليّ الطنطاوي، افتح لي. ففتح مدهوشاً (وربما كان مرعوباً)، فقلت: تسبّني، تشتمني، تقول عني ما شئت، الحقّ معك والله يسامحك، بس (١) أدخلني وأعطِني قميصاً وثوباً حتى أجفّف ثيابي، وشيئاً آكله.
فأدخلني وأوقد المدفأة، وجاءني بثياب وتركني أنزع قميصي وردائي وألبس ما جاءني به، وأتاني بالشاي وبالطعام فأكلت وشربت، ورويت له قصتي باختصار، وتركني لأنام.