الصحراء التي لا يعرف أهلها الغشّ ولا النفاق لأنها مكشوفة ليس فيها سقوف تستتر تحتها المعاصي ولا زوايا يختبئ فيها الخداع.
وأبصرت الإخوان كلهم قد صحوا مثلي واحداً بعد واحد، فتوضّأ أكثرهم وصلّى معنا جماعة، وتغافل الباقون ممّن لم يكن يصلّي. فألقيت كلمة ذكّرتُهم فيها من غير أن أنفّرهم، وحاولت أن أوقظ الإيمان في قلوبهم، فاستجاب بعضٌ وبقي بعضٌ على إعراض، فدعوت لهم بعد الصلاة بالهداية وصدقت في دعائي لهم وأمّنَ المصلّون، ثم ألهم الله أحد المصلّين كلاماً كان -على عامّيته- أبلغ فيهم من كلامي، وتكلّم ثالث، ثم قلت: يا إخوان، إننا مُقدِمون على سفرة مجهولة العواقب، قد نتعرّض فيها للهلاك أو نقابل الموت. إننا نغامر بحياتنا، أفلا نضمن تعويضاً عنها أبقى منها؟ يا إخوان، إن اعتمدتم على قوّتكم وحدها فسترون أن الصحراء وأهوالها أقوى منكم، فاعتمدوا على ربكم، صَفّوا حسابكم مع الله قبل أن تمشوا. إن تصفية الحساب إنما تكون بالتوبة والاستغفار وأن تؤدّوا حقّ الله عليكم، وأكبر حقوقه بعد تصحيح العقيدة إقامة الصلاة.
وأفضت في مثل هذا المعنى. ثم قام أحد السوّاقين -وقد مسّته نفحة من نفحات الإيمان- فقال مقالة خرجَت من قلبه، فأحسَسْت أنا أنها حرّكت أعماق قلبي وأسالت الدمع من عينَيّ، وفعلَت بالحاضرين مثل الذي فعلَت بي، فلم يبقَ في القوم من لم يتوضأ ويقف بين يدي الله مصلّياً تائباً، آيباً إليه قارعاً بابه طالباً ثوابه، وكانت هذه هي البداية الخيّرة لهذه الرحلة.