للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدت حَمّاماً مثل حَمّامات الشام (١) فيه «البرّاني» و «الجوّاني» والماء الحارّ والبارد، ووجدت المناديل و «المناشف» معلّقة والصابون معَدّاً. فرجعت إلى حقيبتي فاستخرجت منها ثياباً نظيفة وعدت إلى الحمام، ولست أكتمكم أن الأثَرة (أي الأنانية) غلبَتني فخفت أن يسبقني أحد إلى هذه النعمة. وكنت لمّا خرجت من دمشق قد اجتهدت فأخطأت حين ألقيت عنّي ثيابي التي ألفتها: البنطال والرداء (الجاكيت)، ولبست ثوباً عربياً مفتوحاً من الأمام، يُضَمّ طرفه إلى طرفه بالشالة التي نعقدها على أوساطنا، وهو الذي كنّا نلبسه في الأعياد، وهو لباس المشايخ في مصر (القفطان) وهو من صُنع الشام، مع أنّ اللباس الإفرنجي (أقول الحقّ) أخفّ في هذه الرحلة وأنفع، فما بلغت تبوك حتى تمزّق هذا الثوب وامتلأ بالأوساخ.

فلما رأيت هذا الحمّام خلعت كل ما كان على جسدي، وكان الحمّام يُوقَد من داخله بالحطب فرميت تلك الثياب كلها في موقد الحمّام، وأقبلت أصبّ الماء الحارّ على جسدي فأشعر بمثل ما تحسّ به الأرض الجافّة إذا هطل عليها المطر، هذا إذا كانت الأرض تحسّ.

أنهيت اغتسالي على عجل لئلاّ يطول عنهم غيابي ولأفسح المجال لغيري، ولبست الثياب النظيفة وعدت بها إليهم، فشُدهوا


(١) في الشام حَمّامات عظيمة قديمة اندثر أكثرها لمّا أُنشئت الحمّامات في البيوت، وممّا بقي «حمام الجوزة» في سوق صاروجا، لا يزال قائماً من نحو تسعمئة سنة، وهو مصنَّف في المواضع الأثرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>