للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَخَرَجَ وَفْدُ عَادٍ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا فَبَيْنَمَا هم عنده إذا أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مَسَاءَ ثَالِثَةٍ مِنْ مُصَابِ عَادٍ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا لَهُ فَأَيْنَ فَارَقْتَ هُودًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: فَارَقْتُهُمْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فَكَأَنَّهُمْ شَكُّوا فِيمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ، فَقَالَتْ هَزِيلَةُ بِنْتُ بَكْرٍ: صَدَقَ وَرَبِّ مَكَّةَ.

وَذَكَرُوا أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ وَلُقْمَانَ بْنَ عَادٍ، وَقَيْلَ بْنَ عَنْزٍ حِينَ دَعَوْا بِمَكَّةَ، قِيلَ لَهُمْ: قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ مُنَاكُمْ فَاخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْخُلُودِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، فَقَالَ مَرْثَدٌ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي صِدْقًا وَبِرًّا فَأُعْطِيَ ذَلِكَ، وَقَالَ لُقْمَانُ: أَعْطِنِي يَا رَبِّ عُمْرًا، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ، فَاخْتَارَ عُمْرَ سَبْعَةِ أَنْسُرٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْفَرْخَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْضَتِهِ فَيَأْخُذُ الذَّكَرَ مِنْهَا لِقُوَّتِهِ، حَتَّى إِذَا مَاتَ أَخَذَ غَيْرَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى السَّابِعِ، وَكَانَ كُلُّ نَسْرٍ يَعِيشُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ آخِرُهَا لَبَدٌ فَلَمَّا مَاتَ لَبَدٌ مَاتَ لُقْمَانُ مَعَهُ.

وَأَمَّا قَيْلٌ فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْتَارُ أَنْ يُصِيبَنِي مَا أَصَابَ قَوْمِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْهَلَاكَ، فَقَالَ: لَا أُبَالِي لَا حَاجَةَ لِي فِي الْبَقَاءِ بِعَدَّهُمْ، فَأَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَ عَادًا مِنَ الْعَذَابِ فَهَلَكَ.

قَالَ السُّدِّيُّ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَى عَادٍ الرِّيحَ الْعَقِيمَ فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْإِبِلِ وَالرِّجَالِ، تَطِيرُ بِهِمُ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض، فلما رأواها تَبَادَرُوا الْبُيُوتَ فَدَخَلُوهَا وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهُمْ، فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَقَلَعَتْ أَبْوَابَهُمْ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ فِيهَا، ثُمَّ أَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ، فَلَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا سَوْدَاءَ فَنَقَلَتْهُمْ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقَتْهُمْ فِيهِ.

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الرِّيحِ فَأَهَالَتْ عَلَيْهِمُ الرِّمَالَ، فَكَانُوا تَحْتَ الرَّمْلِ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَهُمْ أَنِينٌ تَحْتَ الرَّمْلِ، ثُمَّ أَمَرَ الرِّيحَ فَكَشَفَتْ عَنْهُمُ الرِّمَالِ فَاحْتَمَلَتْهُمْ فَرَمَتْ بِهِمْ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ تَخْرُجْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا بِمِكْيَالٍ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهَا عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَةِ فَغَلَبَتْهُمْ فَلَمْ يَعْلَمُوا كَمْ كَانَ مِكْيَالُهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّهَا خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ خَرْقِ الْخَاتَمِ" (١) وَرُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ قَبْرَ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَضْرَمَوْتَ فِي كَثِيبٍ أَحْمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قَبْرُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ قَبْرَ هُودٍ وَشُعَيْبٍ وَصَالِحٍ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. وَيُرْوَى: أَنَّ النَّبِيَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا هَلَكَ قَوْمُهُ جَاءَ هُوَ وَالصَّالِحُونَ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَمُوتُوا.


(١) جاء قريب من هذا في رواية الإمام أحمد والترمذي في الموضع السابق، وليس مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل السياق يدل على أنه من راوي القصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>