وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَالصَّخْرَةُ عَلَى الرِّيحِ (١) {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} بِاسْتِخْرَاجِهَا، {خَبِيرٌ} عَالَمٌ بِمَكَانِهَا، قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالْأَشْيَاءِ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا لُقْمَانُ فَانْشَقَّتْ مَرَارَتُهُ مِنْ هيبتها فمات.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) }
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} يَعْنِي مِنَ الْأَذَى، {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} يُرِيدُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَذَى فِيهِمَا، مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، أَوْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْزَمُ عَلَيْهَا لِوُجُوبِهَا. {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ: "وَلَا تُصَعِّرْ" بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "تُصَاعِرْ" بِالْأَلْفِ، يُقَالُ: صَعَّرَ وَجْهَهُ وَصَاعَرَ: إِذَا مَالَ وَأَعْرَضَ تَكَبُّرًا، وَرَجُلٌ أَصَعَرُ: أَيْ: مَائِلُ الْعُنُقِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: لَا تَتَكَبَّرْ فَتُحَقِّرَ النَّاسَ وَتُعْرِضَ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِحْنَةً فَتَلْقَاهُ فَيُعْرِضُ عَنْكَ بِوَجْهِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ لَوَى عُنُقَهُ تَكْبُّرًا. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ: وَلَا تَحْتَقِرِ الفقراء ليكن ٧٣/أالفقر وَالْغَنِيُّ عِنْدَكَ سَوَاءً، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} خُيَلَاءَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ، كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مَشْيِهِ {فَخُورٍ} عَلَى النَّاسِ. {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أَيْ: لِيَكُنْ مَشْيُكَ قَصْدًا لَا تَخَيُّلًا وَلَا إِسْرَاعًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: امْشِ بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، كَقَوْلِهِ: "يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" (الْفُرْقَانِ-٦٣) ، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} انْقُصْ مِنْ صَوْتِكَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اخْفِضْ صَوْتَكَ {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ، {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أَوَّلُهُ زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ، وَهُمَا صَوْتُ أَهْلِ النَّارِ.
(١) انظر البحر المحيط: ٧ / ١٨٨، الدر المنثور: ٦ / ٥٢٢-٥٢٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute