{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨) }
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} مِنَ الْأُمَمِ رُسُلَنَا، وَهُمْ: عَادٌ، وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَوْمُ لُوطٍ وَغَيْرُهُمْ، {وَمَا بَلَغُوا} يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، {مِعْشَارَ} أَيْ: عُشْرَ، {مَا آتَيْنَاهُمْ} أَيْ: أَعْطَيْنَا الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ مِنَ الْقُوَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَطُولِ الْعُمُرِ، {فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أَيْ: إِنْكَارِي وَتَغْيِيرِي عَلَيْهِمْ، يُحَذِّرُ كُفَّارَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَذَابَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} آمُرُكُمْ وَأُوصِيكُمْ بِوَاحِدَةٍ، أَيْ: بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ بَيْنَ تِلْكَ الْخَصْلَةَ فَقَالَ: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} لِأَجْلِ اللَّهِ، {مَثْنَى} أَيْ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، {وَفُرَادَى} أَيْ: وَاحِدًا وَاحِدًا، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} جَمِيعًا أَيْ: تَجْتَمِعُونَ فَتَنْظُرُونَ وَتَتَحَاوَرُونَ وَتَنْفَرِدُونَ، فَتُفَكِّرُونَ فِي حَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَعْلَمُوا، {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} جُنُونٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْقِيَامِ الْقِيَامَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْجُلُوسِ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَامٌ بِالْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، كَقَوْلِهِ: "وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ" (النِّسَاءِ-١٢٧) . {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ، {إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} قَالَ مُقَاتِلٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: "ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" أَيْ: في خلق السموات وَالْأَرْضِ فَتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِقَهَا وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: "مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ". {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، {مِنْ أَجْرٍ} جُعْلٍ {فَهُوَ لَكُمْ} يَقُولُ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَجْرًا فَتَتَّهِمُونِي، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "فَهُوَ لَكُمْ" أَيْ: لَمْ أَسْأَلْكُمْ شَيْئًا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَا لِي مِنْ هَذَا فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ يُرِيدُ لَيْسَ لِي فِيهِ شَيْءٌ، {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثَوَابِي، {إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} وَالْقَذْفُ الرَّمْيُ بِالسَّهْمِ وَالْحَصَى، وَالْكَلَامِ، وَمَعْنَاهُ: يَأْتِي بِالْحَقِّ وَبِالْوَحْيِ يُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ فَيَقْذِفُهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} رُفِعُ بِخَبَرِ إِنَّ، أَيْ: وَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute