للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} الْعَجَبُ: حَالَةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ رُؤْيَةِ شَيْءٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ.

وَسَبَبُ نزول الآية: ١٦٨/أأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا. فَقَالَ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ} (١) يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، الْأَلِفُ فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ، {عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} أَيْ: أَعْلِمْهُمْ مَعَ التَّخْوِيفِ، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: ثَوَابُ صِدْقٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عَمَلٌ صَالِحٌ أَسْلَفُوهُ يَقْدِمُونَ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ شَفَاعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَقَامُ صِدْقٍ لَا زَوَالَ لَهُ، وَلَا بُؤْسَ فِيهِ. وَقِيلَ: مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ (٢) .

وَأُضِيفَ الْقَدَمُ إِلَى الصِّدْقِ وَهُوَ نَعْتُهُ، كَقَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ، وَحَبُّ الْحَصِيدِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ سَابِقٍ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ قَدَمٌ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَهُ عِنْدِي قَدَمُ صِدْقٍ وَقَدَمُ سُوءٍ، وَهُوَ يُؤَنَّثُ فَيُقَالُ: قَدَمٌ حَسَنَةٌ، وَقَدَمٌ صَالِحَةٌ. {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالشَّامِ: "لَسِحْرٌ" بِغَيْرِ أَلْفٍ يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ: "لَسَاحِرٌ" بِالْأَلْفِ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} يَقْضِيهِ وَحْدَهُ، {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} مَعْنَاهُ: أَنَّ الشُّفَعَاءَ لَا يَشْفَعُونَ


(١) أخرجه الطبري عن ابن عباس: ١٥ / ١٣، وانظر: أسباب النزول ص (٣٠٥) ، الدر المنثور: ٤ / ٣٤٠ وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه مطولا.
(٢) انظر في هذه الأقوال: الطبري: ١٥ / ١٣-١٦ وقال: "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: أن لهم أعمالا صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب" ثم ساق على ذلك شواهد من الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>