للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} أَيْ: يَنْزِلُ بِكُمُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا فِي قَتْلَى أُحُدٍ: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا، فردَّ ٩١/أاللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (١) ، {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} وَالْبُرُوجُ: الْحُصُونُ وَالْقِلَاعُ، وَالْمُشَيَّدَةُ: الْمَرْفُوعَةُ الْمُطَوَّلَةُ، قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُجَصَّصَةٍ، وَالشَّيْدُ: الْجِصُّ، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ: مَا زِلْنَا نَعْرِفُ النَّقْصَ فِي ثِمَارِنَا وَمَزَارِعِنَا مُنْذُ قَدِمَ عَلَيْنَا هَذَا الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} يَعْنِي: الْيَهُودَ {حَسَنَةٌ} أَيْ خِصْبٌ وَرُخْصٌ فِي السِّعْرِ، {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} لَنَا، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} يَعْنِي: الْجَدْبَ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} أَيْ: مِنْ شُؤْمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَسَنَةِ الظَّفْرُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَبِالسَّيِّئَةِ الْقَتْلُ وَالْهَزِيمَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أَيْ: أَنْتَ الَّذِي حَمَلَتْنَا عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، {قُلْ} لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أَيْ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ثُمَّ عَيَّرَهُمْ بِالْجَهْلِ فَقَالَ: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ، {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} أَيْ: لَا يَفْقَهُونَ قَوْلًا وَقِيلَ: الْحَدِيثُ هَاهُنَا هُوَ الْقُرْآنُ أَيْ: لَا يَفْقَهُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ} قَالَ الْفَرَّاءُ: كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ حَتَّى تَوَهَّمُوا أَنَّ اللَّامَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا وَأَنَّهُمَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَفَصَلُوا اللَّامَ مِمَّا بَعْدَهَا فِي بَعْضِهِ، وَوَصَلُوهَا فِي بَعْضِهِ، وَالِاتِّصَالُ الْقِرَاءَةُ، وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى اللَّامِ لِأَنَّهَا لَامٌ خَافِضَةٌ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ {فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} بَلِيٍّةٍ أَوْ أَمْرٍ تَكْرَهُهُ، {فَمِنْ نَفْسِكَ} أَيْ: بِذُنُوبِكَ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (الشُّورَى -٣٠) وَيَتَعَلَّقُ (٢) أَهْلُ الْقَدَرِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ،


(١) الطبري: ٩ / ٨، الواحدي في أسباب النزول ص (١٦٠) ، والدر المنثور: ٢ / ٥٩٥ - ٥٩٦.
(٢) في ب: (وتعلق) .

<<  <  ج: ص:  >  >>