للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١) }

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي الْأَحْبَارَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أُوتُوا الْعِلْمَ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ، قَالُوا لِلَّذِينِ تَمَنَّوْا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ فِي الدُّنْيَا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ} يَعْنِي مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ خَيْرٌ {لِمَنْ آمَنَ} وَصَدَّقَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، {وَعَمِلَ صَالِحًا} مِمَّا أُوتِيَ قَارُونُ فِي الدُّنْيَا، {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يُؤْتَاهَا، يَعْنِي الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ لَا يُعْطَاهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: لَا يُؤْتَى هَذِهِ الْكَلِمَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: "وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ" إِلَّا الصَّابِرُونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ زِينَةِ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ: كَانَ قَارُونُ أَعْلَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَأَقْرَأَهُمْ لِلتَّوْرَاةِ وأجملهم وأغناهم ٦٥/ب وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَبَغَى وَطَغَى، وَكَانَ أَوَّلَ طُغْيَانِهِ وَعِصْيَانِهِ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ أَنْ يَعْقِلُوا فِي أَرْدِيَتِهِمْ خُيُوطًا أَرْبَعَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ خَيْطًا أَزْرَقَ كلون السماء، يذكرون بِهِ إِذَا نَظَرُوا إِلَيْهَا، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي مَنْزِّلٌ مِنْهَا كَلَامِي، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ أَفَلَا تَأْمُرُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ كُلَّهَا خُضْرًا فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُحَقِّرُ هَذِهِ الْخُيُوطَ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَا مُوسَى إِنَّ الصَّغِيرَ مِنْ أَمْرِي لَيْسَ بِصَغِيرٍ فَإِذَا هُمْ لَمْ يُطِيعُونِي فِي الْأَمْرِ الصَّغِيرِ لَمْ يُطِيعُونِي فِي الْأَمْرِ الْكَبِيرِ، [فَدَعَاهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ] (١) ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُعَلِّقُوا فِي أَرْدِيَتِكُمْ خُيُوطًا خُضْرًا كَلَوْنِ السَّمَاءِ لِكَيْ تَذْكُرُوا رَبَّكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَفَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى، وَاسْتَكْبَرَ قَارُونُ فَلَمْ يُطِعْهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا الْأَرْبَابُ، بِعَبِيدِهِمْ لِكَيْ يَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا بَدْءَ عِصْيَانِهِ وَبَغْيِهِ فَلَمَّا قَطَعَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ جُعِلَتِ الْحُبُوَرَةُ لِهَارُونَ، وَهِيَ رِيَاسَةُ الْمَذْبَحِ، فَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَأْتُونَ بِهَدْيِهِمْ إِلَى هَارُونَ فَيَضَعُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهُ، فَوَجَدَ قَارُونُ من ذلك مِنْ نَفْسِهِ وَأَتَى مُوسَى فَقَالَ: يَا مُوسَى لَكَ الرِّسَالَةُ وَلِهَارُونَ الْحُبُوَرَةُ، وَلَسْتُ، فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَا أَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، لَا صَبْرَ لِي عَلَى هَذَا. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا أَنَا جَعَلْتُهَا فِي هَارُونَ بَلِ اللَّهُ جَعَلَهَا لَهُ. فَقَالَ قَارُونُ: وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُكَ حَتَّى تُرِيَنِي بَيَانَهُ، فَجَمَعَ مُوسَى رُؤَسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: هَاتُوا عِصِيَّكُمْ، فَحَزَمَهَا وَأَلْقَاهَا فِي قُبَّتِهِ الَّتِي كَانَ


(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>