للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ +إِذْ أَمْلَى عَلَيْهِ: سَمِيعًا بَصِيرًا، كَتَبَ عَلِيمًا حَكِيمًا، وَإِذَا قَالَ: عَلِيمًا حكِيمًا، كَتَبَ: غَفُورًا رَحِيمًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ" (الْمُؤْمِنُونَ، ١٢) أَمْلَاهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْهَا فَهَكَذَا نَزَلَتْ، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إِذْ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ (١) .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يُرِيدُ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا}

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَرَى} يَا مُحَمَّدُ، {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} سَكَرَاتِهِ وَهِيَ جَمْعُ غَمْرَةٍ، وَغَمْرَةُ كُلِّ شَيْءٍ: مُعْظَمُهُ، وَأَصْلُهَا: الشَّيْءُ الَّذِي [يَعُمُّ] (٢) الْأَشْيَاءَ فَيُغَطِّيهَا، ثُمَّ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِ الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ، {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} بِالْعَذَابِ وَالضَّرْبِ، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، وَقِيلَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ، {أَخْرِجُوا} أَيْ: يَقُولُونَ أَخْرِجُوا، {أَنْفُسَكُمُ} أَيْ: أَرْوَاحَكُمْ كُرْهًا، لِأَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْشَطُ لِلِقَاءِ رَبِّهَا، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، يَعْنِي: لَوْ تَرَاهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَرَأَيْتَ عَجَبًا، {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أَيِ: الْهَوَانِ، {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} تَتَعَظَّمُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَلَا تُصَدِّقُونَهُ.

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤) }

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ يَقُولُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى وُحْدَانًا، لَا مَالَ مَعَكُمْ وَلَا زَوْجَ وَلَا وَلَدَ وَلَا خَدَمَ، وَفُرَادَى جَمْعُ فَرْدَانَ، مِثْلُ سَكْرَانَ وَسُكَارَى، وَكَسْلَانَ وَكُسَالَى، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ فَرْدَى بِغَيْرِ أَلْفٍ مِثْلُ سَكْرَى، {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} عُرَاةً حُفَاةً غُرْلًا


(١) انظر: الطبري: ١١ / ٥٣٤، ٥٣٥، أسباب النزول ص (٢٥٤) ، الدر المنثور: ٣ / ٣١٧.
(٢) في "ب": (يغمر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>