للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (٥٥) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠) }

{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَيْ بِالصِّدْقِ {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}

{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: بِكَسْرِ النُّونِ، وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ: قَنِطَ يَقْنَطُ، وَقَنَطَ يَقْنِطُ (١) أَيْ: مَنْ يَيْئَسُ {مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} أَيِ: الْخَاسِرُونَ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ كَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِهِ (٢) .

{قَالَ} إِبْرَاهِيمُ لَهُمْ {فَمَا خَطْبُكُمْ} مَا شَأْنُكُمْ {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} ؟

{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكِينَ.

{إِلَّا آلَ لُوطٍ} أَتْبَاعَهُ وَأَهْلَ دِينِهِ، {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} خَفَّفَ الْجِيمَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَشَدَّدَهُ الْبَاقُونَ.

{إِلَّا امْرَأَتَهُ} أَيِ: امْرَأَةَ لُوطٍ، {قَدَّرْنَا} قَضَيْنَا {إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ،


(١) رد أبو عبيدة القراءة بكسر النون، فقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٨ / ٣٢٧، وليس كما قال، لأنهم لا يجمعون إلا على قوي في اللغة مروي عندهم، وهي قراءة فصيحة.
(٢) روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكبائر؟ فقال: "الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله". أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (١٠ / ٤٦٠) عن ابن مسعود قال: "أكبر الكبائر الشرك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من روح الله" وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: "إسناده صحيح" مجمع الزوائد: (١ / ١٠٤) . وقال الطحاوي: "الأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل الإسلام، فيجب أن يكون العبد خائفا راجيا، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط. والرجاء المحمود: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه، أو رجل أذنب ذنبا، ثم تاب منه إلى الله، فهو راج لمغفرته. أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب. وقد مدح الله تعالى أهل الخوف والرجاء بقوله: "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه" (الزمر-٩) وقال: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا" (السجدة-١٦) فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا. وكل أحد إذا خفته، هربت منه، إلا الله انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي ص (٣٥٧-٣٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>