للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (٢٧) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) }

{وَقَالَ مُوسَى} لَمَّا تَوَعَّدَهُ فِرْعَوْنُ بِالْقَتْلِ، {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} .

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمُؤْمِنِ: قَالَ مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ قِبْطِيًّا ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ وَهُوَ الَّذِي حَكَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: "وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى" (الْقِصَصِ-٢٠) ، وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا، وَمَجَازُ الْآيَةِ: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَكَانَ اسْمُهُ حِزْئِيلَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ اسْمُهُ [جُبْرَانَ] (١) . وَقِيلَ: كَانَ اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي آمَنَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ حَبِيبًا (٢) {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} لِأَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أَيْ: بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} ١١٠/ألَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} فَكَذَّبْتُمُوهُ، {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْكُلُّ، أَيْ: إِنْ قَتَلْتُمُوهُ وَهُوَ صَادِقٌ أَصَابَكُمْ مَا يَتَوَعَّدُكُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ. قَالَ اللَّيْثُ: "بَعْضُ" صِلَةٌ، يُرِيدُ: يُصِبُكُمُ الَّذِي يَعِدُكُمْ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هَذَا عَلَى الظَّاهِرِ فِي الْحِجَاجِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مَا فِي صِدْقِهِ أَنْ يُصِيبَكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ هَلَاكُكُمْ، فَذَكَرَ الْبَعْضَ لِيُوجِبَ الْكُلَّ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي} إِلَى دِينِهِ، {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} [مُشْرِكٌ] (٣) {كَذَّابٌ} عَلَى اللَّهِ.


(١) في "ب" جبريل.
(٢) هذا القول الأخير ذكره السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ٢٨٥، وذكر القولين السابقين الطبري: ٢٤ / ٥٨ وقال مرجحا: "وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله، وقيله ما قال، وقال له: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل، لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا، ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع قوله، وكف عما كان هم به في موسى" اهـ.
(٣) زيادة من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>