للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا (١) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ: قِيلَ: أَرَادَ اللَّهُ بِهِ تَمْيِيزَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَوْقَعَ النُّعَاسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَمِنُوا وَلَمْ يُوقِعْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فَبَقُوا فِي الْخَوْفِ وَقَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَيْ: حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْهَمِّ يُقَالُ: أَمْرٌ مُهِمٌّ.

{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أَيْ: لَا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا، وَقِيلَ: ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} أَيْ: كَظَنِّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكِ، {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا} مَا لَنَا لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ: حَجْدٌ، {مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} يَعْنِي: النَّصْرَ، {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي {لِلَّهِ} وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ وَقِيلَ: عَلَى النَّعْتِ.

{يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ كَانَ لَنَا عُقُولٌ لَمْ نَخْرُجْ (٢) مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقْتَلْ رُؤَسَاؤُنَا، وَقِيلَ: لَوْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا.

قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْنِي: التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ} قُضِيَ، {عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} مَصَارِعِهِمْ، {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ} وَلِيَمْتَحِنَ اللَّهُ، {مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ} يُخْرِجَ وَيُظْهِرَ {مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) }

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ} أَيِ انْهَزَمُوا، {مِنْكُمْ} يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمْعُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَ قَدِ انْهَزَمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعْلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} أَيْ: طَلَبَ زَلَّتَهُمْ كَمَا يُقَالُ: اسْتَعْجَلْتُ فُلَانًا إِذَا طَلَبْتُ


(١) أخرجه ابن إسحاق في المغازي والبزار في مسنده والطبري وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي كلهم من طريق ابن إسحاق. انظر الكافي الشاف ص (٣٣) .
(٢) في "أ": ما خرجنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>