للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْآخِرَةِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى مَا سَبَقَ، يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِمْ فقال: {ثُمَّ جَاؤُوكَ} يَعْنِي: يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، {ثُمَّ جَاءُوكَ} [يُحْيُونَكَ وَيَحْلِفُونَ] (١) .

وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُصِيبَةِ قَتْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المنافق، ثم جاؤوا يَطْلُبُونَ دِيَتَهُ، {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا} مَا أَرَدْنَا بِالْعُدُولِ عَنْهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ أَوْ بِالتَّرَافُعِ إِلَى عُمَرَ، {إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِلَّا إِحْسَانًا فِي الْقَوْلِ، وَتَوْفِيقًا: صَوَابًا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: حَقًّا وَعَدْلًا نَظِيرُهُ: "لِيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى"، وَقِيلَ: هُوَ إِحْسَانُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقِيلَ: هُوَ تَقْرِيبُ الْأَمْرِ مِنَ الْحَقِّ، لَا الْقَضَاءُ عَلَى أَمْرِ الْحَكَمِ، وَالتَّوْفِيقُ: هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُوَ التَّأْلِيفُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) }

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} مِنَ النِّفَاقِ، أَيْ: عَلِمَ أَنَّ مَا فِي قُلُوبِهِمْ خِلَافَ مَا فِي أَلْسِنَتِهِمْ، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أَيْ: عَنْ عُقُوبَتِهِمْ وَقِيلَ: فَأُعْرِضُ عَنْ قَبُولِ عُذْرِهِمْ وَعِظْهُمْ بِاللِّسَانِ، وَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا بَلِيغًا، وَقِيلَ: هُوَ التَّخْوِيفُ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: أَنْ تَوَعَّدَهُمْ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، قَالَ الْحَسَنُ: الْقَوْلُ الْبَلِيغُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ النِّفَاقِ قُتِلْتُمْ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مِنْ نُفُوسِهِمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} فِي الْمَلَإِ {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} فِي السِّرِّ وَالْخَلَاءِ، وَقَالَ: قِيلَ هَذَا مَنْسُوخٌ بآية القتال.

وله عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَجَبَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَقِيلَ: إِلَّا لِيُطَاعَ كَلَامٌ تَامٌّ كَافٍ، بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: بِعِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، أَيْ: وُقُوعُ طَاعَتِهِ يَكُونُ بِإِذْنِ اللَّهِ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بِتَحَاكُمِهِمْ إِلَى الطَّاغُوتِ {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} الْآيَةَ.


(١) في (أ) جاءت العبارة هكذا: (يجيئونك ويخافونك) .

<<  <  ج: ص:  >  >>