عَنِ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا، يُقَالُ: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إِذَا عدل فهو مسقط، وَقِسْطٌ إِذَا جَارَ فَهُوَ قَاسِطٌ {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أَيْ: قَصَدُوا طَرِيقَ الْحَقِّ وَتَوَخَّوْهُ.
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧) }
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} الَّذِينَ كَفَرُوا {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} كَانُوا وَقُودَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى كُفَّارِ مَكَّةَ فَقَالَ: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى فَكَانُوا مُؤْمِنِينَ مُطِيعِينَ {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} كَثِيرًا قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ بَعْدَمَا رَفَعَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَقَالُوا مَعْنَاهُ لَوْ آمَنُوا لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا وَعَيْشًا رَغَدًا وَضَرْبُ الْمَاءِ الْغَدَقِ مَثَلًا لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالرِّزْقَ كُلَّهُ فِي الْمَطَرِ، كَمَا قَالَ: "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ" الْآيَةَ (الْمَائِدَةِ-٦٦) وَقَالَ: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ" الْآيَةَ (الْأَعْرَافِ-٩٦) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أَيْ: لِنَخْتَبِرَهُمْ كَيْفَ شُكْرُهُمْ فِيمَا خُوِّلُوا. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالْحَسَنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهَا وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ لَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا وَلَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ، عُقُوبَةً لَهُمْ وَاسْتِدْرَاجًا حَتَّى يَفْتَتِنُوا بِهَا فَنُعَذِّبَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالْكَلْبِيِّ وَابْنِ كَيْسَانَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" الْآيَةَ (الْأَنْعَامِ-٤٤) .
{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ} قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَيَعْقُوبُ: "يَسْلُكْهُ" بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، أَيْ: نُدْخِلْهُ {عَذَابًا صَعَدًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاقًّا وَالْمَعْنَى ذَا صَعَدٍ أَيْ: ذَا مَشَقَّةٍ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا رَاحَةَ فِيهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا فَرَحَ فِيهِ. قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَزْدَادُ إِلَّا شِدَّةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّعُودَ يَشُقُّ عَلَى [النَّاسُ] (١) .
(١) في "ب" الإنسان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute