للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} يَعْنِي: إِبْلِيسَ، {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} أَيْ: فُرِغَ مِنْهُ فَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُوضَعُ لَهُ مِنْبَرٌ فِي النَّارِ، فَيَرْقَاهُ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْكَفَّارُ بِاللَّائِمَةِ فَيَقُولُ لَهُمْ:

{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} فَوَفَّى لَكُمْ بِهِ، {وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} وَقِيلَ: يَقُولُ لَهُمْ: قُلْتُ لَكُمْ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ. {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} وِلَايَةٍ. وَقِيلَ: لَمْ آتِكُمْ بِحُجَّةٍ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ: لَكِنْ {دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} بِإِجَابَتِي وَمُتَابَعَتِي مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا بُرْهَانٍ، {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} بِمُغِيثِكُمْ، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بِمُغِيثِيَّ.

قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ " بِمُصْرِخِيِّ " بِكَسْرِ الْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ لِأَجْلِ التَّضْعِيفِ، وَمَنْ كَسَرَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْرِ، لِأَنَّ الْيَاءَ أُخْتُ الْكَسْرَةِ، وَأَهْلُ النَّحْوِ لَمْ يَرْضَوْهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لُغَةُ بَنِي يَرْبُوعٍ. وَالْأَصْلُ (بِمُصْرِخِينِيَّ) فَذَهَبَتِ النُّونُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ، وَأُدْغِمَتْ يَاءُ الْجَمَاعَةِ فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ (١) .

{إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: كَفَرْتُ بِجَعْلِكُمْ إِيَّايَ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِ وَتَبَرَّأْتُ مِنْ ذَلِكَ.

{إِنَّ الظَّالِمِينَ} الْكَافِرِينَ، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ دُخَيْنٍ الْحَجَرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: "يَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكُمُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، فَيَأْتُونِي فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ، حَتَّى


(١) انظر: البحر المحيط: ٥ / ٤١٩، زاد المسير: ٤ / ٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>