للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: لَا يَشْفَعُ إِلَّا مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَيْ لَا يَشْفَعُ إِلَّا الْمُؤْمِنُ (١) .

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) }

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " وُلْدًا " بِضَمِّ الْوَاوِ وسكون اللام ها هنا وَفِي الزُّخْرُفِ وَسُورَةِ نُوحٍ وَوَافَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ فِي سُورَةِ نُوحٍ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ. وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ: الْعَرَبِ وَالْعُرْبِ وَالْعَجَمِ وَالْعُجْمِ. {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُنْكَرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: عَظِيمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَقَدْ قُلْتُمْ قَوْلًا عَظِيمًا. "وَالْإِدُّ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَعْظَمُ الدَّوَاهِي (٢) . {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ} قَرَأَ نَافِعٌ " يَكَادُ " بِالْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي حم عسق لِتَقَدُّمِ الْفِعْلِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ السَّمَوَاتِ {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} هاهنا وفي "حمعسق" بِالنُّونِ مِنَ الِانْفِطَارِ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ وَافَقَ ابْنَ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ هَاهُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ" (الانْفِطَارِ:١) وَ"السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ" (الْمُزَّمِّلِ:١٨) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مِنَ التَّفَطُّرِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ يُقَالُ: انْفَطَرَ الشَّيْءُ وَتَفَطَّرَ أَيْ تَشَقَّقَ.

{وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} أَيْ: تَنْكَسِرُ كَسْرًا.

وَقِيلَ: {وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ} أَيْ: تَنْخَسِفُ بِهِمْ "وَالِانْفِطَارُ" فِي السَّمَاءِ: أَنْ تُسْقَطَ عَلَيْهِمْ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} أَيْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ.


(١) وهذه الأوجه كلها حق وكل واحد منها يشهد له آيات كريمة وأحاديث شريفة فالمجرمون لا يملكون الشفاعة أي: لا يستحقون أن يشفع فيهم شافع يخلصهم مما هم فيه من الهول والعذاب وبالأحرى أن المجرمين لا يشفعون في غيرهم لأنهم إذا كانوا لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم لكفرهم فشفاعتهم في غيرهم ممنوعة من باب أولى. وكذلك: لا يملك الشفاعة إلا المؤمنون الذين اتخذوا عند الله تعالى عهدا بشهادة التوحيد وبالعمل الصالح -وما في معنى هذا- فإنهم يشفع بعضهم في بعض كما قال تعالى: "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا" وقد بين في مواضع أخر أن المعبودات التي يعبدونها من دون الله لا تملك الشفاعة وأن من شهد بالحق يملكها بإذن الله له في ذلك وهو قوله تعالى: "ولا يملك الذين يدعون من دون الله الشفاعة إلا من شهد الحق". انظر: "أضواء البيان": ٤ / ٤٩٤-٤٩٥، وراجع: ابن كثير: ٣ / ١٣٩ القرطبي: ١١ / ١٥٤.
(٢) والعرب تقول لكل عظيم: "إد" و"إمر". وفي "الإد" ثلاث لغات: "إد" بكسر الألف و"أد" بفتح الألف و"آد" بفتح الألف ومدها انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>