يَصِيرُ صَيْرًا إِذَا قَطَعَ، وَانْصَارَ الشَّيْءُ انْصِيَارًا إِذَا انْقَطَعَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ صَرَيْتُ أَصْرِي صَرْيًا إِذَا قَطَعْتُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ {فَصُرْهُنَّ} بِضَمِّ الصَّادِ وَمَعْنَاهُ أَمِلْهُنَّ إِلَيْكَ وَوَجِّهْهُنَّ، يُقَالُ: صِرْتُ الشَّيْءَ أُصَوِّرُهُ إِذَا أَمَلْتُهُ، وَرَجُلٌ أَصْوَرُ إِذَا كَانَ مَائِلَ الْعُنُقِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مَعْنَاهُ اجْمَعْهُنَّ وَاضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ يُقَالُ: صَارَ يُصَوِّرُ صَوْرًا إِذَا اجْتَمَعَ وَمِنْهُ قيل لجماعة النحل صَوْرٌ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِمَالَةِ وَالضَّمِّ قَالَ فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ فَحَذَفَهُ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَصُرْهُنَّ مَعْنَاهُ قَطِّعْهُنَّ أَيْضًا، وَالصَّوْرُ الْقَطْعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} قَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ {جُزْءًا} مُثَقَّلًا مَهْمُوزًا، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَالْهَمْزِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مُشَدَّدَةَ الزَّايِ بِلَا هَمْزٍ وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ الْجِبَالِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ تِلْكَ الطُّيُورَ وَيَنْتِفَ رِيشَهَا وَيَقْطَعَهَا وَيَخْلِطَ رِيشَهَا وَدِمَاءَهَا وَلُحُومَهَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَفَعَلَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَجْزَاءَهَا عَلَى الْجِبَالِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْأَجْزَاءِ وَالْجِبَالِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: أُمِرَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ طَائِرٍ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ وَيَجْعَلَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْبُلٍ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ رُبْعًا مِنْ كُلِّ طَائِرٍ وَقِيلَ: جَبَلٌ عَلَى جَانِبِ الشَّرْقِ، وَجَبَلٌ عَلَى جَانِبِ الْغَرْبِ، وَجَبَلٌ عَلَى جَانِبٍ الشَّمَالِ، وَجَبَلٌ عَلَى جَانِبِ الْجَنُوبِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيُّ: جَزَّأَهَا سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ وَوَضَعَهَا عَلَى سَبْعَةِ أَجْبُلٍ وَأَمْسَكَ رُءُوسَهُنَّ ثم دعاهن: ٤٧/أتَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَجَعَلَتْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِ طَائِرٍ تَطِيرُ إِلَى الْقَطْرَةِ الْأُخْرَى، وَكُلُّ رِيشَةٍ تَطِيرُ إِلَى الرِّيشَةِ الْأُخْرَى، وَكُلُّ عَظْمٍ يَصِيرُ إِلَى الْعَظْمِ الْآخَرِ، وَكُلُّ بِضْعَةٍ تَصِيرُ إِلَى الْأُخْرَى، وَإِبْرَاهِيمُ يَنْظُرُ، حَتَّى لَقِيَتْ كُلُّ جُثَّةٍ بَعْضَهَا بَعْضًا فِي الْهَوَاءِ بِغَيْرِ رَأْسٍ ثُمَّ أَقْبَلْنَ إِلَى رُءُوسِهِنَّ سَعْيًا فَكُلَّمَا جَاءَ طَائِرٌ مَالَ بِرَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ دَنَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَأَخَّرَ، حَتَّى الْتَقَى كُلُّ طَائِرٍ بِرَأْسِهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} قِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ الْإِسْرَاعُ وَالْعَدْوُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَشْيُ دُونَ الطَّيَرَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" (٩-الْجُمُعَةِ) أَيْ فَامْضُوا، وَالْحِكْمَةُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الطَّيَرَانِ كَوْنُهُ أَبْعَدَ مِنَ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهَا لَوْ طَارَتْ لِتَوِّهِمْ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهَا غَيْرُ تِلْكَ الطَّيْرِ وَإِنَّ أَرْجُلَهَا غَيْرُ سَلِيمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ السَّعْيُ بِمَعْنَى الطَّيَرَانِ {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلُ صَدَقَاتِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ {كَمَثَلِ} زَارِعِ {حَبَّةٍ} وَأَرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادَ، وَقِيلَ جَمِيعُ أَبْوَابِ الْخَيْرِ {أَنْبَتَتْ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute