للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، كَانَ أَبَوَاهُ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَأْبَى، وَيَقُولُ: أَحْيُوا لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ وَعَامِرَ بْنَ كَعْبٍ وَمَشَايِخَ قُرَيْشٍ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُونَ (١) .

وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (٢) .

وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَافِرٍ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، يُبْطِلُهُ قَوْلُهُ:

{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٩) }

{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} الْآيَةَ، أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُؤْمِنٌ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ.

وَمَعْنَى "أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ": وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، {فِي أُمَمٍ} [مَعَ أُمَمٍ] (٣) {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} .

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُرِيدُ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ تخلف عنه ١٢٤/أوَلَوْ بِسَاعَةٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَلِكُلٍّ فَضَائِلُ بِأَعْمَالِهِمْ فَيُوَفِّيهِمُ اللَّهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ.

وَقِيلَ: "وَلِكُلٍّ": يَعْنِي وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ وَالْكَافِرِينَ "دَرَجَاتٌ" مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا.

قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: دَرَجُ أَهْلُ النَّارِ تَذْهَبُ سُفْلًا وَدَرَجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ تَذْهَبُ عُلْوًا (٤) .

{وَلِيُوَفِّيَهُمْ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَعَاصِمٌ: بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ. {أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .


(١) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٤ / ١٥٩-١٦٠: "ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- فقوله ضعيف؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه". وانظر: البحر المحيط: ٨ / ٦١.
(٢) أخرجه الطبري: ٢٦ / ١٩، وانظر: تفسير ابن كثير: ٤ / ١٦٠، الدر المنثور: ٧ / ٤٤٤-٤٤٥.
(٣) زيادة من "ب".
(٤) انظر: القرطبي: ١٦ / ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>