للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) }

قَوْلُهُ {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مَرْيَمَ مِنْ حَنَّةَ مَكَانَ الْمُحَرَّرِ، وَتَقَبَّلَ بِمَعْنَى قَبِلَ وَرَضِيَ، وَالْقَبُولُ مَصْدَرُ قَبِلَ يَقْبَلُ قَبُولًا مِثْلَ الْوَلُوعِ وَالْوَزُوعَ وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَى التَّقَبُّلِ التَّكَفُّلُ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهَا {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} مَعْنَاهُ: وَأَنْبَتَهَا فَنَبَتَتْ نَبَاتًا حَسَنًا وَقِيلَ هَذَا مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ [اللَّفْظِ] (١) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [وَمَثَلُهُ شَائِعٌ كَقَوْلِكَ تَكَلَّمْتُ كَلَامًا وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} ] (٢) أَيْ سَلَكَ بِهَا طَرِيقَ السُّعَدَاءِ {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} يَعْنِي سَوَّى خَلْقَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَكَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْيَوْمِ مَا يَنْبُتُ الْمَوْلُودُ فِي الْعَامِ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ: أَخَذَتْ حَنَّةُ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْهَا فَلَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمْلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الأحبار، أبناء هرون وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَلُونَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَلِي الْحَجَبَةُ مِنَ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ لَهُمْ: دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةَ، فَتَنَافَسَ فِيهَا الْأَحْبَارُ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ وَصَاحِبِ قُرْبَانِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا أَحَقُّكُمْ بِهَا، عِنْدِي خَالَتُهَا، فَقَالَتْ لَهُ الْأَحْبَارُ: لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ لِأَحَقِّ النَّاسِ لَهَا لَتُرِكَتْ لِأُمِّهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا لَكِنَّا نَقْتَرِعُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ عِنْدَ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا [تِسْعَةً وَعِشْرِينَ] (٣) رَجُلًا إِلَى نَهْرٍ جَارٍ، قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فِي الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ ثَبَتَ قَلَمُهُ فِي الْمَاءِ فَصَعَدَ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا.

وَقِيلَ: كَانَ عَلَى كُلِّ قَلَمٍ اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَقِيلَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ التَّوْرَاةَ فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ فِي الْمَاءِ [فَارْتَزَّ] (٤) قَلَمُ زَكَرِيَّا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ وَانْحَدَرَتْ أَقْلَامُهُمْ وَرَسَبَتْ فِي النَّهْرِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ.

وَقِيلَ: جَرَى قَلَمُ زَكَرِيَّا مُصْعِدًا إِلَى أَعْلَى الْمَاءِ وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ بِجَرْيِ الْمَاءِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ: بَلْ ثَبَتَ قَلَمُ زَكَرِيَّا وَقَامَ فَوْقَ الْمَاءِ كَأَنَّهُ فِي طِينٍ، وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ مَعَ جَرْيَةِ الْمَاءِ


(١) في ب الصدر.
(٢) ساقط من أ.
(٣) في ب سبعة وعشرين.
(٤) في ب فارتز فيه رزا.

<<  <  ج: ص:  >  >>