للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) }

{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} إِنْ وَقْعَ مِنْكُمْ تَقْصِيرٌ فِي أَمْرِ دِينِهِ {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا} عَنِ الْحَقِّ، {مَيْلًا عَظِيمًا} بِإِتْيَانِكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْصُوفِينَ بِاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، قَالَ السُّدِّيُّ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَجُوسُ لِأَنَّهُمْ يُحِلُّونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الزُّنَاةُ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ فَتَزْنُونَ كَمَا يَزْنُونَ، وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَاطِلِ.

{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} يُسَهِّلَ عَلَيْكُمْ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْ سَهَّلَ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: "وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ" (الْأَعْرَافِ -١٥٧) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثْتُ بالحنيفية السمحة السلهة" (١) ، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} قال طاووس وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَمْرِ النِّسَاءِ: لَا يُصْبَرُ عَنْهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} يَسْتَمِيلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، بَيَانُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" (الرُّومِ -٥٤) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} بِالْحَرَامِ، يَعْنِي: بِالرِّبَا وَالْقُمَارِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوَهَا، وَقِيلَ: هُوَ الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ {تِجَارَةً} نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ، {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أَيْ: بِطِيبَةِ نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ.

وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُجِيزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَيَلْزَمُ، وَإِلَّا فَلَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ٥ / ٢٦٦ عن أبي أمامة، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: ٢ / ٢٠٤، والطبراني في الكبير، وفيه علي بن يزيد الألهاني: ضعيف. انظر: مجمع الزوائد: ٥ / ٢٧٩. والحديث حسن لتعدد طرقه وشواهده. انظر: النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد، ص (٣٣٣ - ٣٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>