{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩) }
{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: نُصَلِّي لَكَ كَثِيرًا. {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} نَحْمَدُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ بِمَا أَوْلَيْتَنَا مِنْ نِعَمِكَ. {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} خَبِيرًا عَلِيمًا. {قَالَ} اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أُوتِيتَ} أُعْطِيتَ، {سُؤْلَكَ} جَمِيعَ مَا سَأَلْتَهُ، {يَا مُوسَى} {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ} أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ، {مَرَّةً أُخْرَى} يَعْنِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ وَهِيَ: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ} وَحْيُ إِلْهَامٍ، {مَا يُوحَى} مَا يُلْهَمُ. ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْإِلْهَامَ وَعَدَّدَ نِعَمَهُ عَلَيْهِ: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} أَيْ: أَلْهَمْنَاهَا أَنِ اجْعَلِيهِ فِي التَّابُوتِ، {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} يَعْنِي نَهْرَ النِّيلِ، {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} يَعْنِي شَاطِئَ النَّهْرِ، لَفْظُهُ أَمْرٌ وَمَعْنَاهُ خَبَرٌ، مَجَازُهُ: حَتَّى يُلْقِيَهُ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} يَعْنِي فِرْعَوْنَ. فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا وَجَعَلَتْ فِيهِ قُطْنًا مَحْلُوجًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى، وَقَيَّرَتْ رَأْسَهَ وَخَصَاصَهُ -يَعْنِي شُقُوقَهُ -ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ، وَكَانَ يَشْرَعُ مِنْهُ نَهْرٌ كَبِيرٌ فِي دَارِ فِرْعَوْنَ، فَبَيْنَمَا فِرْعَوْنُ جَالِسٌ عَلَى رَأْسِ الْبِرْكَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ آسِيَةَ إِذْ بِتَابُوتٍ يَجِيءُ بِهِ الْمَاءُ، فَأَمَرَ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ بِإِخْرَاجِهِ، فَأَخْرَجُوهُ وَفَتَحُوا رَأْسَهُ فَإِذَا صَبِيٌّ مِنْ أَصْبَحِ النَّاسِ وَجْهًا، فَلَمَّا رَآهُ فِرْعَوْنُ أَحَبَّهُ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَالَكْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ: قَالَ عِكْرِمَةُ: مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: مَلَاحَةٌ كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى، مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا عَشِقَهُ.
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} يَعْنِي لِتُرَبَّى بِمَرْأَى وَمَنْظَرٍ مِنِّي، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ "وَلِتُصْنَعْ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute