للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّنَا لَمْ نُخْلَقْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَكِنَّا خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ وَإِلَى التُّرَابِ نَصِيرُ فَاتْرُكْنَا كَمَا كُنَّا فِي الْكَهْفِ عَلَى التُّرَابِ حَتَّى يَبْعَثَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَأَمَرَ الْمَلِكُ حِينَئِذٍ بِتَابُوتٍ مِنْ سَاجٍ فَجُعِلُوا فِيهِ وَحَجَبَهُمُ اللَّهُ حِينَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِمْ بِالرُّعْبِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ الْمَلِكُ فَجَعَلَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ وَجَعَلَ لَهُمْ عِيدًا عَظِيمًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى كُلَّ سَنَةٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ يَمْلِيخَا لَمَّا حُمِلَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ أنت قال: أن رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ أَمْسَ أَوْ مُنْذُ أَيَّامٍ وَذَكَرَ مَنْزِلَهُ وَأَقْوَامًا لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَحَدٌ وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ سَمِعَ أَنَّ فِتْيَةً فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ مَكْتُوبَةٌ عَلَى اللَّوْحِ بِالْخِزَانَةِ فَدَعَا بِاللَّوْحِ وَقَدْ نَظَرَ فِي أَسْمَائِهِمْ فَإِذَا هُوَ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ وَذَكَرَ أَسْمَاءَ الْآخَرِينَ فَقَالَ يَمْلِيخَا هُمْ أَصْحَابِي فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ ذَلِكَ رَكِبَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقَوْمِ فَلَمَّا أَتَوْا بَابَ الْكَهْفِ قَالَ يَمْلِيخَا: دَعُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أَصْحَابِي فَأُبَشِّرُهُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْكُمْ مَعِي أَرْعَبْتُمُوهُمْ فَدَخَلَ فَبَشَّرَهُمْ فَقَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ وَأَعْمَى عَلَيْهِمْ أَثَرَهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أَيْ: صَارُوا إِلَى الْكَهْفِ، يُقَالُ: أَوَى فَلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا أَيِ: اتَّخَذَهُ مَنْزِلًا إِلَى الْكَهْفِ وَهُوَ غَارٌ فِي جَبَلِ بَنْجَلُوسَ وَاسْمُ الْكَهْفِ: "خَيْرَمُ" (١) .

{فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} وَمَعْنَى الرَّحْمَةِ: الْهِدَايَةُ فِي الدِّينِ. وَقِيلَ: الرِّزْقُ {وَهَيِّئْ لَنَا} يَسِّرْ لَنَا {مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أَيْ: مَا يُلْتَمَسُ مِنْ رِضَاكَ وَمَا فِيهِ رُشْدُنَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَشَّدَا أَيْ مَخْرَجًا مِنَ الْغَارِ فِي سَلَامَةٍ.

{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢) }

{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أَيْ: أَنَمْنَاهُمْ وَأَلْقَيْنَا عَلَيْهِمُ النَّوْمَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنَعْنَا نُفُوذَ الْأَصْوَاتِ إِلَى مَسَامِعِهِمْ فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ يَنْتَبِهُ {فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} أَيْ: أَنَمْنَاهُمْ سِنِينَ مَعْدُودَةً وَذِكْرُ الْعَدَدِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَقِيلَ: ذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ. {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} يَعْنِي مِنْ نَوْمِهِمْ {لِنَعْلَمَ} أَيْ: عِلْمَ الْمُشَاهَدَةِ {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} أَيُّ الطَّائِفَتَيْنِ {أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: "أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا" أَحْفَظُ لِمَا مَكَثُوا فِي كَهْفِهِمْ نِيَامًا أَمَدًا أَيْ: غَايَةً وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَدَدًا وَنَصْبُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ.


(١) راجع فيما سبق ص (١٤٥) تعليق (٢) من نفس السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>