{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) }
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ مُتَعَجِّبِينَ مِنْهُ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يَعْنُونُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} قُطِّعْتُمْ كُلَّ تَقْطِيعٍ وَفُرِّقْتُمْ كُلَّ تَفْرِيقٍ وَصِرْتُمْ تُرَابًا {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَفِي خلق جديد. {أَافْتَرَى} أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ الْوَصْلِ وَلِذَلِكَ نَصَبَتْ، {عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} يَقُولُونَ: أَزَعَمَ كَذِبًا أَمْ بِهِ جُنُونٌ؟.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} مِنَ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا. {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا فَإِنَّ أَرْضِي وَسَمَائِي مُحِيطَةٌ بِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَأَنَا الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ، {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: "نَخْسِفْ بِهِمْ" بِإِدْغَامِ الْفَاءِ فِي الْبَاءِ، {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "إِنْ يَشَأْ يَخْسِفْ أَوْ يُسْقِطْ"، بِالْيَاءِ فِيهِنَّ لِذِكْرِ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ: فِيمَا تَرَوْنَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، {لَآيَةً} تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى الْبَعْثِ، {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} تَائِبٍ رَاجِعٍ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ. وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا أُوتِيَ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ وَتَلْيِينِ الْحَدِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِهِ، {يَا جِبَالُ} أَيْ: وَقُلْنَا يَا جِبَالُ، {أَوِّبِي} أَيْ: سَبِّحِي، {مَعَهُ} إِذَا سَبَحَ، وَقِيلَ: هُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْإِيَابِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، أَيْ: رَجِّعِي مَعَهُ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَصْلُهُ مِنَ التَّأْوِيبِ فِي السَّيْرِ، وَهُوَ أَنْ يَسِيرَ النَّهَارَ كُلَّهُ وَيَنْزِلُ لَيْلًا كَأَنَّهُ قَالَ أَوِّبِي النَّهَارَ كُلَّهُ بِالتَّسْبِيحِ مَعَهُ. وَقَالَ وَهْبٌ: نَوِّحِي مَعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute