للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلَ كِبَارِهَا، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ شَيْءٍ وَإِتْمَامِهِ فَقَدْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ، وَاحِدُهَا: "رَبَّانُ" (كَمَا قَالُوا: رَيَّانُ) (١) وَعَطْشَانُ وَشَبْعَانُ وَعُرْيَانُ ثُمَّ ضُمَّتْ إِلَيْهِ يَاءُ النِّسْبَةِ (٢) كَمَا قَالُوا: لِحْيَانِيٌّ وَرَقَبَانِيٌّ.

وَحُكِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَرُبُّ عِلْمَهُ، بِعَمَلِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. {بِمَا كُنْتُمْ} أَيْ: بِمَا أَنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا " (سُورَةُ مَرْيَمَ الْآيَةُ ٢٩) أَيْ: مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ {تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " تُعَلِّمُونَ " بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " تَعْلَمُونَ " بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} أي: تقرؤون.

{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) }

قَوْلُهُ {وَلَا يَأْمُرَكُمْ} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ يَقُولَ، فَيَكُونُ مَرْدُودًا عَلَى الْبَشَرِ، أَيْ: وَلَا يَأْمُرُ ذَلِكَ الْبَشَرُ، وَقِيلَ: عَلَى إِضْمَارِ "أَنْ" أَيْ: وَلَا أَنْ يَأْمُرَكُمْ ذَلِكَ الْبَشَرُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، مَعْنَاهُ: وَلَا يَأْمُرُكُمُ اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ: وَلَا يَأْمُرُكُمْ مُحَمَّدٌ، {أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا} كَفِعْلِ قُرَيْشٍ وَالصَّابِئِينَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ مَا قَالُوا، {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قَالَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ، يَعْنِي: لَا يَقُولُ هَذَا.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} قَرَأَ حَمْزَةُ " لِمَا " بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ كَسَرَ اللَّامَ فَهِيَ لَامُ الْإِضَافَةِ دَخَلَتْ عَلَى مَا، وَمَعْنَاهُ الَّذِي يُرِيدُ لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ أَيْ: أَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِأَجْلِ الَّذِي آتَاهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعْنِي أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ وَمَنْ فَتَحَ اللَّامَ فَمَعْنَاهُ: لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْجَزَاءِ أَيْ: لَئِنْ آتَيْتُكُمْ وَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ وَجَوَابُ الْجَزَاءِ قَوْلُهُ {لَتُؤْمِنُنَّ}


(١) ساقط من أ.
(٢) في ب: التشبيه وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>