قَوْلُهُ: {لَتَدْخُلُنَّ} يَعْنِي وَقَالَ: لَتَدْخُلُنَّ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: "لَتَدْخُلُنَّ" مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ حِكَايَةً عَنْ رُؤْيَاهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وإنما استثنى ١٣٣/ب مَعَ عِلْمِهِ بِدُخُولِهَا بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى، تَأَدُّبًا بِآدَابِ اللَّهِ، حَيْثُ قَالَ لَهُ: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" (الْكَهْفِ-٢٣) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "إِنْ" بِمَعْنَى إِذْ، مَجَازُهُ: إِذْ شَاءَ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ: "إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ".
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الدُّخُولِ، لِأَنَّ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَتَصْدِيقِهَا سَنَةٌ، وَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نَاسٌ فَمَجَازُ الْآيَةِ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كُلُّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعٌ عَلَى الْأَمْنِ لَا عَلَى الدُّخُولِ، لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَكٌّ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَقْبَرَةِ: "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ" (١) ، فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى اللُّحُوقِ لَا إِلَى الْمَوْتِ.
{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} كُلَّهَا، {وَمُقَصِّرِينَ} بِأَخْذِ بَعْضِ شُعُورِهَا، {لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا} أَنَّ الصَّلَاحَ كَانَ فِي الصُّلْحِ وَتَأْخِيرِ الدُّخُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ" الْآيَةَ (الْفَتْحِ-٢٥) . {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أَيْ مِنْ قَبْلِ دُخُولِكُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، {فَتْحًا قَرِيبًا} وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: فَتْحُ خَيْبَرَ.
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨) }
(١) قطعة من حديث أخرجه مسلم في الجنائز، باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم: (٩٧٥) : ٢ / ٦٧١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute