للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ فَأَتَوْا لُوطًا نِصْفَ النَّهَارِ، وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا.

وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْتَطِبُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَاسْتَضَافُوهُ فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَشَى سَاعَةً قَالَ لَهُمْ: مَا بَلَغَكُمْ أَمْرُ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهَا لِشَرُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ عَمَلًا. يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ.

وَرُوِيَ: أَنَّهُ حَمَلَ الْحَطَبَ وَتَبِعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَمَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ فَغَمَزُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لُوطٌ: إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، فَغَمَزُوا، فَقَالَ مِثْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِقَوْمٍ آخَرِينَ فَقَالَ مَثَلَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا قَالَ لُوطٌ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا، حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ.

وَرُوِيَ: أنّ الملائكة جاؤوا إِلَى بَيْتِ لُوطٍ فَوَجَدُوهُ فِي دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا، وَقَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ قَطُّ (١) .

{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) } .

{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [وَقَتَادَةُ] (٢) : يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُهَرْوِلُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَشْيٌ بَيْنَ مِشْيَتَيْنِ. قَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ [وَالْجَمْزِ] (٣) .

{وَمِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ، {كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. {قَالَ} لَهُمْ لُوطٌ حِينَ قَصَدُوا أَضْيَافَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ غِلْمَانٌ، {يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يَعْنِي: بِالتَّزْوِيجِ، وَفِي (٤) أَضْيَافِهِ بِبَنَاتِهِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْكَافِرِ جَائِزًا كَمَا زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأَبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ (٥) .

وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: عَرَضَ بَنَاتَهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَوْلُهُ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} أَرَادَ: نِسَاءَهُمْ، وَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ


(١) انظر: الطبري: ١٥ / ٤٠٨-٤٠٩، ٤٢٤-٤٢٥، الدر المنثور: ٤ / ٤٥٧ وما بعدها.
(٢) ساقط من "ب".
(٣) في "ب": (الخبب) .
(٤) هكذا في الأصل، ولعلها "وقى".
(٥) ذكره ابن هشام والطبراني والبيهقي في الدلائل انظر: الكافي الشاف ص (٨٦-٨٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>