للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ} ، لَا تَشْغَلْكُمْ {أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: "لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (النُّورِ -٣٧) {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} ، أَيْ مَنْ شَغَلَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} . {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} ، فَيَسْأَلُ الرَّجْعَةَ، {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} ، هَلَّا أَخَّرْتَنِي أَمْهَلْتَنِي. وَقِيلَ: "لَا" صِلَةٌ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ بِمَعْنَى التَّمَنِّي، أَيْ: لَوْ أَخَّرْتَنِي، {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} ، فَأَتَصَدَّقَ وَأُزَكِّي مَالِي، {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ، أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ" (الرَّعْدِ -٢٣) (غَافِرٍ -٨) ، هَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالُوا: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: [نزَلَتِ] (١) الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ.

وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاحِ هُنَا: الْحَجُّ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ، وَعَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ وَكَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَأَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ إِلَّا سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (٢) وَقَالَ: "وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ" قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو "وَأَكُونَ" بِالْوَاوِ وَنَصَبَ النُّونَ عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي وَعَلَى لَفْظِ فَأَصَّدَّقَ، قَالَ: إِنَّمَا حُذِفَتِ الْوَاوُ مِنَ الْمُصْحَفِ اخْتِصَارًا.

وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "وَأَكُنْ" بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ "فَأَصَّدَّقَ" لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْفَاءُ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَاءٌ كَانَ جَزْمًا. يَعْنِي: إِنْ أَخَّرْتَنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ، وَلِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِحَذْفِ الْوَاوِ.


(١) زيادة من "ب".
(٢) أخرجه الترمذي في التفسير - تفسير سورة المنافقين: ٩ / ٢٢٠ - ٢٢١، والطبري: ٢٨ / ١١٨. وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ١٧٩ أيضا لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وللطبري وابن مرودية.

<<  <  ج: ص:  >  >>