للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَتِي عَلَيْكُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَلَا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ" مِنَ الْإِنْذَارِ. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} حِينًا وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، {مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَلَمْ آتِكُمْ بِشَيْءٍ. {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِبَلِي، وَلَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَبْلَ الْوَحْيِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.

وَرَوَى أَنَسٌ: أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ (١) .

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} لَا يَنْجُو الْمُشْرِكُونَ.

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ} إِنْ عَصَوْهُ وَتَرَكُوا عِبَادَتَهُ، {وَلَا يَنْفَعُهُمْ} إِنْ عَبَدُوهُ، يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ} أَتُخَبِّرُونَ اللَّهَ، {بِمَا لَا يَعْلَمُ} اللَّهُ صِحَّتَهُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَتُخَبِّرُونَ اللَّهَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا، أَوْ عِنْدَهُ شَفِيعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَعْلَمُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ شريكا؟! {فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "تشركون" بالتاء، ها هنا وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ مَوْضِعَيْنِ، وَفِي سُورَةِ الرُّومِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالْيَاءِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ: عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (٢) {فَاخْتَلَفُوا} وَتَفَرَّقُوا إِلَى مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بِأَنْ جَعَلَ


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٣ / ٥٤، ١٤ / ٢٩١، وابن سعد في الطبقات: ٢ / ٣٠٨، وعبد الرزاق: ٣ / ٥٩٩. وانظر: الدر المنثور: ٤ / ٣٤٨-٣٤٩، كنز العمال: رقم (٤٧٥٠) .
(٢) انظر فيما سبق: ١ / ٢٤٣-٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>