للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِمَا أُمِرَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: رَأْيًا مَعْزُومًا حَيْثُ أَطَاعَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ الَّذِي حَسَدَهُ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ. وَ"الْعَزْمُ" فِي اللُّغَةِ: هُوَ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْفِعْلِ.

قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: لَوْ وُزِنَ حِلْمُ آدَمَ بِحِلْمِ جَمِيعِ وَلَدِهِ لَرَجَحَ حِلْمُهُ (١) وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: "وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا".

فَإِنْ قِيلَ: أَتَقُولُونَ إِنَّ آدَمَ كَانَ نَاسِيًا لِأَمْرِ اللَّهِ حِينَ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ؟ .

قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ أَمْرَهُ، وَلَمْ يَكُنِ النِّسْيَانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرْفُوعًا عَنِ الْإِنْسَانِ، بَلْ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ، وَإِنَّمَا رُفِعَ عَنَّا (٢) .

وَقِيلَ: نَسِيَ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَظَنَّ أَنَّهُ نُهِيَ تَنْزِيهًا.

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لَآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} أَنْ يسجد. {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} حَوَّاءَ، {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} يَعْنِي: تَتْعَبُ وَتَنْصَبُ، وَيَكُونُ عَيْشُكَ مِنْ كَدِّ يَمِينِكَ بِعَرَقِ جَبِينِكَ. قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْحَرْثَ وَالزَّرْعَ وَالْحَصِيدَ وَالطَّحْنَ وَالْخَبِيزَ.

وعن سعيد ١٤/ب بْنِ جُبَيْرٍ: قَالَ أُهْبِطَ إِلَى آدَمَ ثَوْرٌ أَحْمَرُ، فَكَانَ يَحْرُثُ عَلَيْهِ، وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، فَذَلِكَ [شَقَاؤُهُ (٣) .

وَلَمْ يَقُلْ: "فَتَشْقَيَا" رُجُوعًا بِهِ إِلَى آدَمَ، لِأَنَّ تَعَبَهُ أَكْثَرُ فَإِنَّ الرَّجُلَ] (٤) هُوَ السَّاعِي عَلَى زَوْجَتِهِ.


(١) ذكر بعض هذه الأقوال الطبري: (١٦ / ٢٢١ - ٢٢٢) وقال: "وأصل العزم اعتقاد القلب على الشيء يقال منه: عزم فلان على كذا: إذا اعتقد عليه ونواه، ومن اعتقاد القلب: حفظ الشيء، ومنه الصبر على الشيء، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه، فإذا كان ذلك كذلك، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى، وهو قوله: "ولم نجد له عزما" فيكون تأويله: ولم نجد له عزما قلب على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه".
(٢) انظر تفصيلا لهذا في أضواء البيان ٤ / ٥٢٠ - ٥٢٢.
(٣) انظر: زاد المسير ٥ / ٣٢٨.
(٤) ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>