للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" (١) .

وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا لِمَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ نَهَاهُ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا.

رُوِيَ أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنة ١٩٨/أ -رَحِمَهُ اللَّهُ -تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" (٢) أَيْ: لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْقُرْآنِ. فَتَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ (٣) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} لَيِّنْ جَنَاحَكَ {لِلْمُؤْمِنِينَ} وَارْفُقْ بِهِمْ، وَالْجَنَاحَانِ لِابْنِ آدَمَ جَانِبَاهُ.

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) }


(١) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، برقم (٢٩٦٣) ٤ / ٢٢٧٥، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى: "وأسروا قولكم أو أجهروا به" ٣ / ٥٠١ وفي مواضع أخرى.
(٣) أخرج البخاري في فضائل القرآن، باب "من لم يتغن بالقرآن" (٩ / ٦٨) عن أبي هريرة مرفوعا: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" قال سفيان: تفسيره يستغني به". قال في فتح الباري (٩ / ٦٩) ويمكن أن يستأنس بما أخرجه أبو داود، وابن الضريس، وصححه أبو عوانة عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن نهيك قال: "لقيني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال: تُجَّار كَسَبَة، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن" وقد ارتضى أبو عبيد تفسير يتغنى بيستغني - وقال: إنه جائز في كلام العرب، وأنشد الأعشى: وكنت امرأ زمنا بالعراق ... خفيف المناخ طويل التغني
أي: كثير الاستغناء. وقال المغيرة بن حبناء: كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدُّ تغانيا
قال: فعلى هذا يكون المعنى: من لم يستغن بالقرآن عن الإكثار من الدنيا، فليس منا، أي: على طريقتنا. وأيّد ابن كثير تفسير سفيان بن عيينة للحديث فقال: وهو تفسير صحيح، ولكن ليس هو المقصود من الحديث. انظر: ابن كثير: ٢ / ٥٥٨. وردَّ الشافعي رحمه الله تفسير ابن عيينة بأنه لو كان معناه على الاستغناء، لكان "يتغانى" وتحسين الصوت هو يتغنى. انظر شرح السنة للبغوي: ٤ / ٤٨٧، وراجع حكم التغني بالقرآن واختلاف العلماء فيه وفي معناه في: فتح الباري: ٩ / ٦٩-٧٢، تفسير القرطبي: ١ / ١١ وما بعدها، التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص (٨٧-٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>