للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَخَذَ جِبْرِيلُ بِعِضَادَتَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ صَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً (١) {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون.

{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) }

{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي يَا حَسْرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْحَسْرَةُ: شِدَّةُ النَّدَامَةِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا حَسْرَةً وَنَدَامَةً وَكَآبَةً عَلَى الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرُّسُلِ.

وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْهَالِكِينَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَمَّا عَايَنُوا الْعَذَابَ قَالُوا: يَا حَسْرَةً أَيْ: نَدَامَةً عَلَى الْعِبَادِ، يَعْنِي: عَلَى الرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ، فَتَمَنَّوُا الْإِيمَانَ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْحَسْرَةُ لَا تُدْعَى، وَدُعَاؤُهَا تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِينَ. وَقِيلَ الْعَرَبُ تقول: يا حسرتي! ويا عَجَبًا! عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، وَالنِّدَاءُ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيُّهَا الْعَجَبُ هَذَا وَقْتُكَ؟ وَأَيَّتُهَا الْحَسْرَةُ هَذَا أَوَانُكِ؟

حَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا زَمَانُ الْحَسْرَةِ وَالتَّعَجُّبِ. ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، فَقَالَ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .

{أَلَمْ يَرَوْا} أَلَمْ يُخْبَرُوا، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} وَالْقَرْنُ: أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاقْتِرَانِهِمْ فِي الْوُجُودِ {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} أَيْ: لَا يَعُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ.

{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ: "لَمَّا" بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي الزُّخْرُفِ وَالطَّارِقِ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ إِلَّا فِي الزُّخْرُفِ، وَوَافَقَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي الطَّارِقِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ. فَمَنْ شَدَّدَ جَعَلَ "إِنَّ" بمعنى الجحد، و"لما" بِمَعْنَى إِلَّا تَقْدِيرُهُ: وَمَا كَلٌّ إِلَّا جَمِيعٌ، وَمَنْ خَفَّفَ جَعَلَ "إن" للتحقيق و"ما" صِلَةٌ مَجَازُهُ: وَكُلٌّ جَمِيعٌ {لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} .

{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} بِالْمَطَرِ {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} يَعْنِي الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَمَا


(١) ذكره ابن كثير: ٣ / ٥٧٠ وعضادتا الباب: ناحيتاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>