للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَضْعَافَ، أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا فَصَاعِدًا (١) وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّ لِلْأَضْعَافِ خَصَائِصٌ، مِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ يُسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنِ الْأَضْعَافِ، وَمِنْهَا: أَنَّ لِلشَّيْطَانِ سَبِيلًا إِلَى عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْأَضْعَافِ، وَلَا مَطْمَعَ لِلْخُصُومِ فِي الْأَضْعَافِ، وَلِأَنَّ الْحَسَنَةَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ وَالتَّضْعِيفَ كَمَا يَلِيقُ بِكَرَمِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: "مِنْ فَزَعٍ" بِالتَّنْوِينِ "يَوْمَئِذٍ" بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَمْنَ مِنْ جَمِيعِ فَزَعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبِالتَّنْوِينِ كَأَنَّهُ فَزَعٌ دُونَ فَزَعٍ، وَيَفْتَحُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمِيمَ مِنْ يَوْمَئِذٍ.

{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣) }

{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي الشِّرْكَ، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} يَعْنِي أُلْقُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ، يُقَالُ: كَبَبْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَلْقَيْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَانْكَبَّ وَأَكَبَّ، وَتَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّرْكِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ} يَقُولُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ، {أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} يَعْنِي: مَكَّةَ، {الَّذِي حَرَّمَهَا} جَعَلَهَا اللَّهُ حَرَمًا آمِنًا، لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُظْلَمُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يُصَادُ صيدها، ولا ٦٠/ب يُخْتَلَى خَلَاهَا، {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} خَلْقًا وَمِلْكًا، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} لِلَّهِ. {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} يَعْنِي: وَأُمِرْتُ أن أَتْلُوَ الْقُرْآنَ، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أَيْ: نَفْعُ اهْتِدَائِهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، {وَمَنْ ضَلَّ} عَنِ الْإِيمَانِ وَأَخْطَأَ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} مِنَ الْمُخَوِّفِينَ فَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا الْبَلَاغُ. نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (٢) . {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} عَلَى نِعَمِهِ، {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ، مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَضَرْبِ


(١) راجع فيما سبق تفسير سورة الأنعام: ٣ / ٢١٠-٢١١.
(٢) راجع فيما سبق: ١ / ٣٢-٣٣ تعليق (١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>