للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ فَصْلَ الْخِطَابِ: هُوَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ: "أَمَّا بَعْدُ" (١) إِذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي كَلَامٍ آخَرَ، وَأَوَّلُ [مَنْ قَالَهُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ] (٢) هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ قِصَّةِ امْتِحَانِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي سَبَبِهِ:

فَقَالَ قَوْمٌ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَمَنَّى يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ مَنْزِلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ كَمَا امْتَحَنَهُمْ، وَيُعْطِيَهُ مِنَ الْفَضْلِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُمْ.

فَرَوَى السُّدِّيُّ، وَالْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ: عَنْ أَشْيَاخِهِمْ قَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، قَالُوا: كَانَ دَاوُدُ قَدْ قَسَّمَ الدَّهْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَوْمًا يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَوْمًا يَخْلُو فِيهِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَوْمًا لِنِسَائِهِ وَأَشْغَالِهِ، وَكَانَ يَجِدُ فِيمَا يَقْرَأُ مِنَ الْكُتُبِ فَضْلَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى الْخَيْرَ كُلَّهُ وَقَدْ ذَهَبَ بِهِ آبَائِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّهُمُ ابْتُلُوا بِبَلَايَا لَمْ تُبْتَلَ بِهَا فَصَبَرُوا عَلَيْهَا، ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ بِنُمْرُودَ وَبِذَبْحِ ابْنِهِ، وَابْتُلِيَ إِسْحَاقُ (٣) بِالذَّبْحِ وَبِذَهَابِ بَصَرِهِ، وَابْتُلِيَ يَعْقُوبُ بِالْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ، فَقَالَ: رَبِّ لَوِ ابْتَلَيْتَنِي بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتَهُمْ صَبَرْتُ أَيْضًا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّكَ مُبْتَلًى فِي شَهْرِ كَذَا وَفِي يَوْمِ كَذَا فَاحْتَرِسْ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ دَخَلَ دَاوُدُ مِحْرَابَهُ وَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَجَعَلَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ الزَّبُورَ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ قَدْ تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ حَمَامَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ حَسَنٍ -وَقِيلَ: كَانَ جَنَاحَاهَا مِنَ الدُّرِّ وَالزَّبَرْجَدِ -فَوَقَعَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَمَدَّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهَا وَيُرِيَهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَنْظُرُوا إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا قَصَدَ أَخْذَهَا طَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُؤَيِّسَهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَامْتَدَّ إِلَيْهَا لِيَأْخُذَهَا، فَتَنَحَّتْ، فَتَبِعَهَا فَطَارَتْ حَتَّى وَقَعَتْ فِي كُوَّةٍ، فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهَا، فَطَارَتْ مِنَ الْكُوَّةِ، فَنَظَرَ دَاوُدُ أَيْنَ تَقَعُ فَيَبْعَثُ مَنْ يَصِيدُهَا، فَأَبْصَرَ امْرَأَةً فِي بُسْتَانٍ عَلَى شَطِّ بِرْكَةٍ لَهَا تَغْتَسِلُ، هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ. (٤)

وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: رَآهَا تَغْتَسِلُ عَلَى سَطْحٍ لَهَا فَرَأَى امْرَأَةً مَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ خَلْقًا، فَعَجِبَ دَاوُدُ مِنْ حُسْنِهَا وَحَانَتْ مِنْهَا الْتِفَاتَةٌ فَأَبْصَرَتْ ظِلَّهُ فَنَقَضَتْ شَعْرَهَا فَغَطَّى بَدَنَهَا، فَزَادَهُ ذَلِكَ إِعْجَابًا بِهَا فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ هِيَ تَيْشَايِعُ بِنْتُ شَايِعَ امْرَأَةُ أُورِيَّا بْنِ حَنَانَا، وَزَوْجُهَا فِي غَزَاةٍ بِالْبَلْقَاءِ مَعَ أَيُّوبَ بْنِ صُورِيَا ابْنِ أُخْتِ دَاوُدَ.


(١) أخرجه الطبري: ٢٣ / ١٤٠ وانظر: معاني القرآن: ٢ / ٤٠١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٣) تقدم أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام.
(٤) هذه الروايات ضعيفة، راجع ما نقله السيوطي عن ابن حجر في الدر المنثور: ٨ / ٧٠٠ - ٧٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>