{إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَحَفْصٌ: "إِنَّ لَنَا" عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ مُسْتَفْهِمٌ.
{قَالَ} فِرْعَوْنُ {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} فِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عِنْدِي مَعَ الْأَجْرِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ.
{قَالُوا} يَعْنِي السَّحَرَةَ {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عَصَاكَ {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} لِعِصِيِّنَا وَحِبَالِنَا.
{قَالَ} مُوسَى بَلْ {أَلْقُوا} أَنْتُمْ، {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أَيْ: صَرَفُوا أَعْيُنَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَهَذَا هُوَ السِّحْرُ، {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أَيْ: أَرْهَبُوهُمْ وَأَفْزَعُوهُمْ، {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا فَإِذَا هِيَ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ قَدْ مَلَأَتِ الْوَادِي يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مِيلَا فِي مِيلٍ صَارَتْ حَيَّاتٍ وَأَفَاعِيَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً حَتَّى سَدَّتِ الْأُفُقَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وَيُقَالُ: بَلَغَ ذَنَبُ الْحَيَّةِ مِنْ وَرَاءِ الْبُحَيْرَةِ ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا، {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} قَرَأَ حَفْصٌ: "تَلْقَفُ" سَاكِنَةَ اللَّامِ، خَفِيفَةً، حَيْثُ كَانَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، أَيْ: تَبْتَلِعُ، {مَا يَأْفِكُونَ} يَكْذِبُونَ مِنَ التَّخَايِيلِ وَقِيلَ: يُزَوِّرُونَ عَلَى النَّاسِ. فَكَانَتْ تَلْتَقِمُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَاحِدًا واحدا حتى ابتعلت الْكُلَّ وَقَصَدَتِ الْقَوْمَ الَّذِينَ حَضَرُوا فَوَقَعَ الزِّحَامُ عَلَيْهِمْ فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي الزِّحَامِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَصَارَتْ عَصًا كَمَا كَانَتْ.
{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) }
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute